تلك الضربة ] ثم قتل ، وأما معاوية فأصابه البرك في أليتيه ثم قتل . وسلم معاوية وفيه يقول ابن زيدون : [ فليتها إذ فدت عمرا بخارجة * فدت عليا بما شاءت من البشر ] وكتب ابن العاص إلى معاوية بن أبي سفيان يخبره بقتل علي وسلامته . فبلغه الكتاب وكان في مجلسه ضرار بن ضمرة ، فقال له : صف لي عليا يا ضرار - مظهرا للشماتة - فقال : اعفني من ذلك ، قال له معاوية : لا أعفيك ، فقال ضرار : رحم الله أبا الحسن عليا ، كان فينا كأحدنا ، ينبئنا إذا استنبأناه ويجيبنا إذا سألناه ، ويقربنا إذا أردناه ، لا يغلق دوننا بابه ، ولا يمنعنا حجابه ، ونحن والله مع تقربه إلينا وقربة منا لا نكلمه هيبة منه ، وكان إذا ابتسم فعن مثل اللؤلؤ المنظوم ، بعيد المدى ، شديد القوى ، يقول فصلا ويحكم عدلا ، يتفجر العلم من جوانبه ، وتنطق الحكمة عن لسانه ، يستوحش من الدنيا وزهرتها ، ويستأنس بالليل ووحشته ، كان والله غزير الدمعة ، كثير الفكرة ، يقلب كفه ، ويخاطب نفسه ، ويناجي ربه ، يعجبه من اللباس ما خشن ، ومن الطعام ما جشب ، ، كان يعظم أهل الدين ، ويحب المساكين ، لا يطمع القوي في بطشه ، ولا ييأس الضعيف من عدله . فقال معاوية وهو يبكي : زدني يا ضرار : فقال ضرار : رحم الله أبا الحسن ، كان طويل السهاد قليل الرقاد ، يتلو كتاب الله آناء الليل وأطراف النهار ، فكيف بك يا معاوية لو رأيته في محرابه وقد أرخى الليل سدوله وغابت نجومه ، وهو قابض على لحيته يتململ تململ السليم ، ويئن أنين السقيم ، ويبكي بكاء الحزين ، ويقول : يا دنيا غري غيري أبي تعرضتي أم إلي تشوقتي ، هيهات هيهات قد طلقتك ثلاثا لا رجعة لي فيك ، فعمرك قصير ، وخطرك كبير ، وعيشك حقير ، ثم يقول : آه آه لبعد السفر ، وقلة الزاد ، ووحشة الطريق ، وعظم السرى . فبكى معاوية وجلساؤه ، ثم قال : يا ضرار كان والله أبو الحسن كذلك وأكثر ، ثم قال معاوية : رحمك الله يا أبا الحسن ، كنت عفيا عمن جنى