نهارا من كثرة الشموع ، وبين يديه سيوف مسلولة مشحوذة مسمومة فدعا بنا غلاما غلاما وأخذ علينا العهد والميثاق بلسانه وليس بحضرتنا أحد من خلق الله غيرنا فقال : هذا العهد لازم لكم إنكم تفعلون ما آمركم به ولا تخالفوا منه شيئا ، قال : فحلفنا له كلنا فقال : ليأخذ كل واحد منكم سيفا بيده وامضوا حتى تدخلوا على علي بن موسى الرضا في حجرته ، فإن وجدتموه قائما أو قاعدا أو نائما فلا تكلموه وضعوا أسيافكم عليه وأخلطوا لحمه ودمه وشعره وعظمه ومخه ، ثم اقلبوا عليه بساطه وامسحوا أسيافكم به وصيروا إلي ، وقد جعلت لكل واحد منكم على هذا الفعل وكتمانه عشر بدر دراهم وعشر ضياع منتخبة والحظوظ عندي ما حييت وبقيت قال : فأخذنا الأسياف بأيدينا ودخلنا عليه في حجرته فوجدناه مضطجعا يقلب طرفه ويديه ويتكلم بكلام لا نعرفه ، فبادر إليه الغلمان بالسيوف ووضعت سيفي وأنا قائم أنظر إليه فليس على بدنه ما لا تعمل فيه السيوف فطووا بساطه وخرجوا حتى دخلوا على المأمون فقال : ما صنعتم ؟ قالوا فعلنا ما أمرتنا به فقال : لا تبدو منه شيئا مما كان . فلما تبلج الفجر خرج المأمون فجلس في مجلسه مكشوف الرأس محلل الأزرار ، وأظهر وفاته وقعد للتعزية ، ثم قام حاسرا حافيا فمشى لينظر إليه وأنا بين يديه ، فلما دخل حجرته سمع همهمة فارتعد ثم قال : من عنده ؟ قلت : لا علم لنا . فقال : أسرعوا وانظروا قال صبيح : فأسرعنا إلى البيت فإذا بسيدي ( ع ) جالس في محرابه يصلي ويسبح ، فانتفض المأمون وارتعد ثم قال : غررتموني لعنكم الله ، ثم التفت إلي من بين الجماعة فقال : يا صبيح أنت تعرفه فانظر من بالمصلى عنده قال : فدخلت عليه وتولى المأمون راجعا وصرت عند عتبته فقال لي : يا صبيح قلت لبيك يا مولاي وقد سقطت لوجهي فقال لي : قم يرحمك الله ( يريدون أن يطفئوا نور الله بأفواههم ويأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون ) [1] قال : فرجعت إلى المأمون فوجدت وجهه كقطع الليل