له أهلا ومحلا إذ كانت الإمامة له حقا وأصلا قد ارتضع أخلاقها طفلا وتربية وناشئا وكهلا ، فقصدته الشعراء وأذعنت لطاعته القواد والحجاب والامراء والعلماء والوزراء ، وكانت الشعراء تقصد المأمون أيضا وتصوب رأيه في جعله الإمام الرضا للشيعة آية ورواية إلا أبو نؤاس فإنه لم يفعل كما فعل غيره من الناس فقال له المأمون : قد علمت مكان علي بن موسى مني وما أكرمته به فلماذا ادخرت مدحه ورأيتك شاعر زمانك وقريع دهرك ؟ فأنشد يقول : [ قيل لي أنت أعرف الناس طرا * بالمعاني وبالكلام البديه ] [ لك من جوهر الكلام بديع * يثمر الدر في يدي مجتنيه ] [ فلماذا تركت مدح ابن موسى * والخصال التي تجمعن فيه ] [ قلت لا أستطيع مدح إمام * كان جبريل خادما لأبيه ] ولعمري لقد أصاب وأجاد بإقراره بالعجز عن الجري في شأوي هذا الجواد ، فإن شأن هذا الامام وآبائه الكرام لا يعرفه إلا الملك العلام فقصارى البلغاء الاقرار بالقصور عن الخوض في لج ذلك البحر الطمطام ، وغاية الشجعان الاحترام لحرم ذلك الأسد الضرغام . وفي العيون وغيره أنه لما كان في مرو دخل عليه دعبل الخزاعي رحمه الله تعالى وأنشد هذه القصيدة : [ مدارس آيات خلت من تلاوة * ومنزل وحي مقفر العرصات ] [ لآل رسول الله بالخيف من منى * وبالركن والتعريف والجمرات ] [ ديار علي والحسين وجعفر * وحمزة والسجاد ذي الثفنات ] [ منازل وحي الله ينزل بينها * على أحمد المذكور في السورات ] [ منازل قوم يهتدى بهداهم * فتؤمن منهم زلة العثرات ] [ منازل كانت للصلاة وللتقى * وللصوم والتطهير والحسنات ] [ ديار عفاها جور كل معاند * ولم تعف بالأيام والسنوات ] [ قفا نسأل الدار التي خف أهلها * متى عهدها بالصوم والصلوات ]