ومعرفتي بما يجب لك يكبر لدي ، ويدي يعجز عن نيلك بما أنت أهله والكثير في جنب الله قليل ، فإن قبلت الميسور ورفعت عنا مؤنة الاحتفال والاهتمام بما أتكلفه من واجبك فعلت ؟ فقال : يا ابن رسول الله أقبل القليل وأشكر العطية وأعذر على المنع ، فدعى الحسن بوكيله يحاسبه على نفقاته حتى استقصاها فقال ( ع ) له : هات الفاضل ، فأحضر خمسين ألف درهم فقال له الحسن بن علي : فبما فعلت بالمائة دينار ؟ قال : ها هي عندي فقال : هاتها ، فدفع الدارهم والدنانير إلى الرجل وقال : هات من يحمله لك ، فأتى الرجل بحمالين فدفع الحسن رداءه لكرا الحمالين فقال له مواليه : والله ما بقي عندنا درهما واحدا فقال ( ع ) : إني أرجو أن يكون لي عند الله الاجر العظيم . وحكايات جوده ( ع ) تضيق بها الأرقام وتكل عن سطرها الأقلام ، وأما حلمه فكفاك ما نطقت به ألسن أعدائه المظهرين له الشنآن ، والمعلنين له بالبغض والعدوان ، فقال مروان بن الحكم لما حمل جنازته قال له الحسين : أتحمل اليوم سريره وبالأمس كنت تجرعه الغيظ ؟ فقال مروان بن الحكم : كنت أفعل ذلك بمن يوازن حلمه الجبال . وروي أنه دخل رجل من أهل الشام المدينة فرأى رجلا راكبا على بغلة حسنة قال : فلم أر أحسن منه وجها ، فمال قلبي إليه فسألت عنه فقيل لي هذا الحسن بن علي بن أبي طالب ، فامتلأ قلبي عليه غيظا وحنقا وبغضا وحسدا على أن يكون لعلي بن أبي طالب ابن مثل هذا الغلام ، فقمت إليه وقلت له : أنت ابن علي بن أبي طالب ؟ قال : نعم فقلت : ابن من ومن وجعلت أشتمه وأنال منه ومن أبيه وهو ساكت لم يرد جوابا ، فاستحيت منه فلما انقضى كلامي ضحك وقال : أحسبك غريبا شاميا ؟ قلت : نعم قال : هلم معي إلى منزلي إن احتجت إلى منزل أنزلناك أو إلى مال رفدناك أو إلى حاجة عاوناك ، فاستحيت منه وعجبت من كرم أخلاقه وانصرف وقد كنت أحبه ما لا أحب أحدا غيره وبالجملة فكرم أخلاقه لطيب أصله وأعراقه ، فلعمري فهو ثمرة شجرة النبوة