فكان من أولئك الذين أخذتهم الحمية للنبيّ ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) عمه العباس بن عبد المطلب فقد دخل الشعب هو وأفراد أسرته تبعاً لرأي زعيمهم شيخ البطحاء ( أبي طالب ) وإرضاءً لأبن أخيه محمّد ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) . وأصاب بني هاشم عنتٌ شديد من جراء تلك المقاطعة ، حتى أنّ الرجل منهم ليخرج بالنفقة فما يباع منه شيئاً ، وخرج العباس مرة من الشعب ليشتري طعاماً فأراد أبو جهل أن يسطو به ، فمنعه الله منه [1] . وفي أيام الشعب كانت للعباس بادرة مع الرسول ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) ، ربما توحي باختبار أو تصديق فراسة منه في ابن أخيه . فقد روى ابن كثير الدمشقي في تاريخه : إنّ العباس قال للنبيّ ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) : يا محمّد أرى أم الفضل قد اشتملت على حمل ، فأجابه النبيّ ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) : ( لعل الله أن يقر أعينكم بغلام ) ، وفي رواية : ( لعل الله أن يبيض وجوهنا بغلام ) [2] . وأخرج الخطيب البغدادي في تاريخه خبراً بسنده عن أم الفضل بنت الحارث الهلالية قالت : مررت بالنبيّ ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) وهو في الحجر فقال : ( يا أم الفضل إنك حامل بغلام ) ، قالت : يا رسول الله وكيف وقد تحالف الفريقان أن لا يأتوا النساء ؟ قال : ( هو ما أقول لك . فإذا وضعتيه فأتيني به ) ، قالت : فلمّا وضعته أتيتُ به رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) فأذّن في إذنه اليمنى وأقام في إذنه اليسرى وقال : ( أذهبي بأبي الخلفاء ) . قالت : فأتيت العباس فأعلمته فكان رجلاً جميلاً لبّاساً فأتى النبيّ ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) فلمّا رآه رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) قام إليه فقبّل بين عينيه ثم أقعده عن يمينه ، ثم قال : ( هذا عمي فمن شاء فليباه بعمه ) .