و نسيء الجوار ، ويأكل القوي منا الضعيف ، فكنا على ذلك حتى بعث الله لنا رسولاً كما بعث الرسل إلى من قبلنا . . . » [1] . ولم يقصر عنه كلام المغيرة بن شعبة مع كسرى يزدجرد في وصفه لحالة العرب ، فقد ذكر ابن كثير عن المغيرة قوله : « . . . كنا نأكل الخنافس والجعلان ، والعقارب والحيات ، ونرى ذلك طعامنا ، وأمّا المنازل فإنما هي ظهر الأرض ، ولا نلبس إلاّّ غزلنا من أوبار الإبل وأشعار الغنم . . . وديننا أن لا يقتل بعضنا بعضاً وأن لا يبغي بعضنا على بعض . . . وإن كان أحدنا ليدفن ابنته وهي حية كراهية أن تأكل من طعامه . . . » [2] . ولعل الباحث لا يعدم الشواهد على أنّ الحال في قلب الجزيرة العربية كان أخف وطأة وأحسن حالاً ، كما هو الحال في مكة المكرمة . فإن فيها من المتحنفين الذين يدينون بالحنيفية كعبد المطلب وأمية بن أبي الصلت وزيد بن عمرو ، وفي العرب أمثال قس بن ساعدة ، ولعل زهير بن أبي سلمى منهم فقد كان في شعره مؤمناً بالله وبالمعاد والحشر والحساب إلى غير هؤلاء . كما أنّ من كان بمكة من القاطنين أكثر رفاهية في الحياة ، واستقراراً في الأمن من سائر أقطار الجزيرة . لأنّ أهلها اتخذوا مكة مثابة للناس وأمناً ، وجعلوا في السنة الأشهر الحرم فلا حرب فيها ، وكانت تجارتها رابحة تتصل بالشام واليمن والعراق وفارس وجل أهلها تدير شؤونهم تلك التجارة الواسعة ، إمّا تجاراً