فإنّا نقول : دليلنا على ذلك اعترافاته السابقة بأنّه فهم ذلك فقال : « حسبنا . . . الخ » . ولولا أن يكون ذلك مراد عمر لما كان معنى لقوله : « حسبنا كتاب الله » ولا معنى لقوله : « وعندكم القرآن » ، واحتمال أنّه أراد الاستغناء بالقرآن وحده لأنّه فيه تبيان كلّ شيء ، لقوله تعالى : * ( مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ ) * [1] كما قاله علماء التبرير فليس ذلك بصحيح ولا يمكن أن يُصحَح له ، لأن القرآن وحده لا يغني ما لم يكن معه مَن يعلم تأويله قال تعالى : * ( وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاّ الله وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ ) * [2] ، والله سبحانه يقول : * ( فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ ) * [3] ، وقد ورد عن الإمام عليّ ( عليه السلام ) قوله في تفسير هذه الآية فقال : ( نحن أهل الذكر ) ولا شك أنّ عليّاً ( عليه السلام ) كان منهم بل ومن أفاضلهم ، كيف لا وهو الّذي دعا له الرسول بأن يكون الأذن الواعية ، وفيه نزل قوله تعالى : * ( وَتَعِيَهَا أُذُنٌ وَاعِيَةٌ ) * [4] ، وهذا هو الّذي أدركه عمر وفهمه ، لذلك استبعد الضميمة عن القرآن ، فرفضها ومنع النبيّ ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) من كتابة الكتاب الّذي لن تضل أمته من بعده ما إن تمسكوا به . وفي حديث الثقلين دلالة واضحة أنّ التمسك بهما معاً - القرآن والعترة - هو السبيل العاصم من الضلالة . وليس التمسك بأحدهما دون الآخر بعاصم وحده .
[1] الأنعام / 38 . [2] آل عمران / 7 . [3] النحل / 43 . [4] شواهد التنزيل للحسكاني 2 / 272 ، وحلية الأولياء 1 / 67 ، وفرائد السمطين للحمويني ، وكنز العمال 15 / 157 ط الثانية ، ومناقب ابن المغازلي الحديث / 366 ، وسمط النجوم العوالي 2 / 504 ، وتفسير الطبري 29 / 55 ، وتفسير الدر المنثور للسيوطي في تفسير الآية نقلاً عن ابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، وابن مردويه .