وهذا هو الّذي لم يخف على التابعين وتابعي التابعين ، وحتى علماء التدوين ، لذلك أجهزوا عليه فحرّفوه وزوّروا فيه ، وقد مرّت رواياتهم في صور الحديث وستأتي شواهد أخرى . وهذا هو الّذي تهرّب من ذكره صراحة بشكل وآخر علماء التبرير ، فحاولوا جاهدين ليكتموا الحقّ ، فقالوا أنّه أراد أن يكتب لأبي بكر ، ولعمري لو كان ذلك صحيحاً لكان عمر أوّل المجيبين المستحبين . ولكن ذلك شأن الجدليين المعاندين ، إيغالاً في صرف النظر عن حق الإمام عليّ ( عليه السلام ) الّذي أراد رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) أن يكتب له ذلك الكتاب ، فأمعنوا في إخفاء الحقيقة . وهيهات أن تخفى الشمس وإن جللها السحاب . رابعاً - لماذا أراد عليّاً دون غيره ؟ والجواب على هذا يستدعي مُقدمة نعرف منها دور الرسول ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) في ذلك . وتلك هي أن ننظر بتجرّد وموضوعية إلى ذلك الدور ، فهل كان ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) فيه مأموراً ؟ أو مختاراً ؟ إذ لا يخلو من هاتين الحالتين . فإن كان مأموراً - وهو لابدّ أن يكون كذلك كما هو شأن الرسالة * ( وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلاّ الْبَلاغُ الْمُبِينُ ) * [1] - وما كان شأنه في التبليغ إلاّ على حد قوله تعالى : * ( يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَالله يَعْصِمُكَ مِنْ النَّاسِ ) * [2] .