قارئ كلامه ، لكنه سرعان ما تطغى عليه جبريته في سبيل تبرئة عمر ، فيلقى اللوم على السماء ، وبتعبير أصح يلتمس العذر له من السماء . فانظر إلى قوله : « إنّ النبيّ ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) كان حريصاً على ألفتنا وهدايتنا » ، وأستدل بحديث ابن عباس ( رضي الله عنهما ) وهو حديث الرزية . وهذا صحيح في واقعه ولا غبار عليه . وأنظر إلى قوله في تعقيبه على ذلك : « فكان ذلك - والله أعلم - وحياً أوحى الله إليه إنّه إن كتب لهم ذلك الكتاب لم يضلوا بعده البتة ، فتخرج الأمة عن مقتضى قوله : * ( وَلا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ ) * بدخولها تحت قوله : * ( إِلاّ مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ ) * [1] » . وهذا أيضاً من مقبول القول وبه كسب القارئ إلى قبول ما يقوله . فسرعان ما أستغفله بقوله : « فأبى الله إلاّ ما سبق به من علمه من اختلافهم كما اختلف غيرهم » . فأنظر إلى هذا التبرير الفجّ ! الله سبحانه وتعالى هو الّذي أوحى إلى نبيّه ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) بأن يأمر بالكتاب الّذي لا يضلون بعده ، والنبيّ ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) بدوره يأمر بذلك . وعمر يمنع من ذلك ، ويُحدث الفرقة في الحاضرين ، ثمّ يقع الخصام وينتهي بطرد النبيّ ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) للمنازعين . ومع ذلك كلّه يقول : « فأبى الله إلاّ ما سبق في علمه من اختلافهم » . ومن الغريب العجيب ينأى عن إدانة السبب في المنع ، ويحمّل السماء تلك الإدانة ، وإنّ الله أبى إلاّ ما سبق في علمه ؟ وهل هذا إلاّ إستغفال للقراء واستخفاف بالعقول ! ! وليس لنا إلاّ أن نقول كما قال : رضينا بقضاء الله وقدره .