للرسول بألسنتهم ما ليس في قلوبهم ، كما جاء التنزيل مندّداً بهم ، ثمّ طغت تلك الرواسب فصاروا يفصحون عنها حين يلقون إليه بقوارص الكلم . فبدلاً من * ( أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ ) * [1] . فإذا هم يردّون عليه بوقاحة * ( وَيَقُولُونَ سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا وَاسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ وَرَاعِنَا لَيًّا بِأَلْسِنَتِهِمْ وَطَعْنًا فِي الدِّينِ وَلَوْ أَنَّهُمْ قَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَاسْمَعْ وَانظُرْنَا لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ ) * [2] . والآن وقد سبق السيفُ العذَل ، فما هو حقيقة موقف أولئك السادة القادة ، هل كان ما صدر منهم عفوياً ؟ أم عن سابق عنادٍ وتدبير ؟ أم كان حدثاً عابراً فتزيّد فيه الرواة ؟ أم كان عظيماً فلفّه الضَباب فلم يستبن منه إلاّ وجهه الباهت ؟ وذلك ما أجرى دموع ابن عباس حتى بلّ الحصباء . ولكي نتلمس الإجابة الصحيحة على تلك التساؤلات ( بنعم ، أو لا ) لابدّ من عرض شامل لمواقف فقهاء الحديث عن حَديث الرزية ، خاصة منهم علماء التبرير ، بدقة في الأستقراء ، وأناة في الرويّة للمدارسة ، وبمنتهى التجرّد والموضوعية ، وبالتالي نعرف الجواب ( بنعم ، أو لا ) فإنّ تلك اللفظتين المختصرتين تقتضيان كثيراً من البحث والتفكير قبل الإجابة لتلمس الحقيقة الثابتة الّتي لا لبس عليها ولا غبار ، وعلى ضوئها توزن القيم والأقدار . فلنقرأ ما قاله العلماء في ذلك الحديث :