الآن نذكر شواهد أخرى على مدى استعداده الفطري حتى كان شعلة ذكاء تتقد ، ندر أن نجد نظيره فيمن هو في سنه - بل وحتى أكبر منه - مَن كان يسأل مثل مسائله وهي شواهد على ألمعيته حيث يتناول في مسائله ما كان للنبيّ ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) من مقام قبل خلق الخلق ، وآدم - أبو البشر - بعد في الجنة ، وكيف تاب الله عليه ؟ وبماذا أقسم فأبرّ قسمه ، وفي فطنة غلام لم يتجاوز الحلم ويتسع فكره لأن يسأل عن مثل ذلك لدليل على ألمعيته . وإلى القارئ بعض الشواهد : 1 - أخرج السيوطي الشافعي في الدر المنثور [1] ، وابن المغازلي المالكي في المناقب [2] ، والقندوزي الحنفي في ينابيع المودة [3] واللفظ للأوّل : قال ابن عباس : « قال سألت رسول الله صلّى الله وعليه ( وآله ) وسلّم عن الكلمات الّتي تلقّاها آدم من ربه فتاب عليه ؟ ( قال : سأل بحق محمّد وعليّ وفاطمة والحسن والحسين إلاّ تبت عليَّ فتاب عليه ) » . 2 - أخرج ابن عساكر في تاريخه كما في تهذيبه : « قال ابن عباس : سألت رسول الله صلّى الله وعليه ( وآله ) وسلّم فقلت : فداك أبي وأمي أين كنت وآدم في الجنة ؟ قال : فتبسم حتى بدت ثناياه ثمّ قال : ( كنت في صلبه وهبط إلى الأرض وأنا في صلبه ، وركبت السفينة في صلب أبي نوح ، وقذف بي في النار في صلب أبي إبراهيم ، لم يلتق أبواي قط على سفاح ، ولم يزل الله ينقلني من الأصلاب الحسنة إلى الأرحام الطاهرة ، مهذبّا لا يتشعب شعبان إلاّ كنت في خيرهما ، قد أخذ الله بالنبوّة ميثاقي ، وبالإسلام عهدي ، وبشرّ بي ، وفي التوراة
[1] الدر المنثور 1 / 60 نقلاً عن ابن النجّار . [2] مناقب ابن المغازلي / 63 . [3] ينابيع المودة / 97 و 238 ط إسلامبول سنة 1302 .