يا بن عباس إذا أردتَ أن تلقى الله وهو عنك راضٍ فاسلك طريقة عليّ بن أبي طالب ، ومل معه حيث مال ، وارض به إماماً ، وعاد من عاداه ، ووال من والاه . يا بن عباس احذر أن يدخلك شك فيه ، فان الشك في عليّ كفر بالله ) . هذه الوصية من أهم وصايا النبيّ ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) لحبر الأمة بعلي ( عليه السلام ) ، وأمره بسلوك سبيله إذا تشعبت بالناس السُبل ، وإنّما ذكرناها بطولها لما فيها من فضائل للإمام ( عليه السلام ) لم ترد في حق غيره . وقد أخرجها الشيخ الطوسي في أماليه [1] ، وابن شاذان في فضائله [2] ، والإربلي في كشف الغمة [3] ، ومحمّد بن هاشم في مصباح الأنوار [4] ، والعلامة الحلي في كشف اليقين [5] ، وغيرهم . ولا غرابة في رواية ابن عباس ( رضي الله عنه ) ذلك على صغر سنه ، فقد قلنا إنّه كان الرسول ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) يوليه عناية خاصة ويرعاه ويحدب عليه لما يتوسم فيه من الخير وكان قريباً من نفسه ، وكم من مرة حظي فيها بتكريم من النبيّ ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) خصه به . فقد روى ابن سعد في طبقاته ، وإمام الحنابلة في مسنده ، وأبو نعيم الأصبهاني في حليته ، وغيرهم ، عن ابن عباس : « أنّ النبيّ ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) دخل على ميمونة بنت الحرث [6] - إحدى زوجاته - ومعه ابنا أختيها عبد الله بن عباس وخالد بن
[1] الأمالي 1 / 102 . [2] فضائل ابن شاذان / 4 و 160 - 161 . [3] كشف الغمة 1 / 508 . [4] مصباح الأنوار / 1 الباب الثالث والرابع منه ، مخطوط . [5] كشف اليقين / 453 ط محققه . [6] إحدى أمهات المؤمنين التسع اللاتي مات عنهن ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) ، وإحدى الأخوات المؤمنات الثمان - وقد مرّ ذكرهنّ في ذكر لبابة أم ابن عباس - وهي آخر من تزوج بها ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) زوجه بها العباس عمّه وأصدقها عنه أربعمائة درهم ، كما أنها آخر من توفي من أزواجه ، عاشت نحواً من ثمانين سنة ، وقيل أكثر . وكانت في ولائها لأهل البيت عليهم السلام كأم سلمة ، ولا أدل على ذلك من جوابها الجري بن سمرة - من أهل الكوفة ذكره ابن حبان في ثقات التابعين وقال : يروي عن عليّ روى عنه ابن إسحاق السبيعي - قال : لما كان من أهل البصرة الّذي كان بينهم وبين عليّ بن أبي طالب ، انطلقت حتى أتيت المدينة ، فأتيت ميمونة بنت الحارث - وهي من بني هلال - فسلّمت عليها ، فقالت : ممّن الرجل ؟ قلت من أهل العراق قالت : من أي أهل العراق ؟ قلت من أهل الكوفة ، قالت : من أي أهل الكوفة ؟ قلت : من بني عمّار قالت : مرحباً ، قُرب على قُرب ، ورَحباً على رَحب ، فمجيء ما جاء بك ؟ قلت : كان بين عليّ وطلحة الّذي كان فأقبلت فبايعتُ عليّاً . قالت : فالحق به ، فوالله ما ضَلّ ، ولا ضُلّ به ، حتى قالتها ثلاثاً . أخرجه الطبراني في معجمه الكبير 24 / 9 ط الثانية وأخرجه عنه الهيثمي في مجمع الزوائد 9 / 135 وقال : رجاله رجال الصحيح غير جرير بن سمرة وهو ثقة .