وسيأتي في مستقبل تأريخه أنّه صار يقرئ جماعة من الصحابة ، وجاء عند البخاري وغيره ذكر عبد الرحمن بن عوف منهم [1] وعمر بن الخطاب [2] ، فحفظه للمحكم في أوائل سنيّ صحبته دليل على حسن تلقّيه ومدى استعداده . ولم يكن تلقّيه مجرد حفظ آيات وسور ، بل لابدّ أن يكون قد تلقّى التأويل كما تلقّى التنزيل من أبن عمه صاحب الرسالة ومن فلَقِ فيه ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) . وإذا صح ما يروى أنّ النبيّ ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) هو الّذي لقبه ب ( ترجمان القرآن ) [3] ففي ذلك دلالة على أنّه وجد فيه ما يؤهله لأن يكون كذلكَ بفضل ما تعلّمه منه تنزيلاً وتأويلاً . وزاد حرص حبر الأمة على طلب المزيد ، كثرة متابعته للرسول ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) ، فكان ملازماً له ما وسعه ، ذلكَ وساعده على استزادة فرص تلك الملازمة ، وجود خالته أم المؤمنين ميمونة بنت الحارث عند النبيّ ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) ، فكان يدخل بيتها ويبيت أحياناً عندها ، ليتابع معرفة أحوال النبيّ ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) في بيته ، وحاله في نومه ويقظته ، وربما دعاه النبيّ ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) إلى المبيت عند خالته كما سيأتي . ولنقرأ عن ذلك :
[1] المصنف لعبد الرزاق 5 / 439 ، صحيح البخاري بشرح فتح الباري 12 / 121 . [2] ذكر ذلك المحب الطبري في ذخائر العقبى / 233 . [3] راجع ما مرّ في كنيته ولقبه .