فقال إنّ النّبيّ ( صلى الله عليه وآله ) لمّا ثقل في مرضه دعا عليّاً ( عليه السلام ) فوضع رأسه في حجره واُغمي عليه وحضرت الصّلاة فأُذّن بها فخرجت عائشة فقالت : يا عمر اخرج فصلّ بالنّاس فقال لها : أبوك أولى بها منّي فقالت : صدقت ولكنّه رجل ليّن وأكره أن يواثبه القوم ، فصلّ أنت . فقال لها : يصلّي هو وأنا أكفيه إن وثب واثب أو تحرّك متحرّك مع أنّ رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) مغمى عليه ولا أراه يفيق منها والرّجل مشغول به لا يقدر أن يفارقه يعنى عليّاً ( عليه السلام ) فبادروا بالصّلاة قبل أن يفيق فإنّه إن أفاق خفت أن يأمر عليّاً ( عليه السلام ) بالصّلاة وقد سمعت مناجاته له منذ اللّيلة يقول لعلىّ ( عليه السلام ) : الصّلاة الصّلاة . قال : فخرج أبو بكر يصلّي بالنّاس فظنوا أنّه بأمر من رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) فلم يكبّر حتّى أفاق رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، فقال : ادعوا لي عمّى العبّاس ، فدعى له فحمله وعليّ ( عليه السلام ) حتّى أخرجاه فصلّى بالنّاس وإنّه لقاعد ثمّ حمل فوضع على المنبر ولم يجلس عليه بعد ذلك فاجتمع لذلك جميع أهل المدينة من المهاجرين والأنصار حتّى برزت العواتق من خدورها فبين باك وصائح ومسترجع وواجم والنّبيّ ( صلى الله عليه وآله ) يخطب ساعة ويسكت ساعة ، فكان فيما ذكر من خطبته أن قال : يا معشر المهاجرين والأنصار ومن حضر في يومي هذا وساعتي هذه من الإنس والجّن ليبلغ شاهدكم غائبكم إنّي قد خلّفت فيكم كتاب الله فيه النّور والهدى والبيان لمّا فرض الله تعالى من شيء حجّة الله عليكم وحجّتي وحجّة وليّي وخلّفت فيكم العلم الأكبر علم الّدين ونور الهدى ، وهو عليّ بن أبي طالب ( عليه السلام ) وهو حبل الله ( وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعاً وَلاَ تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَة مِنْ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ ( 1 ) ) ، أيّها النّاس هذا عليّ ( عليه السلام ) من أحبّه وتولاّه اليوم وبعد اليوم فقد أوفى بما عاهد عليه الله ومن عاداه وأبغضه اليوم وبعد اليوم جاء يوم القيامة أصم وأعمى لا حجّة له عند الله ، أيّها النّاس لا تأتوني غداً بالدّنيا تزفّونها زفّاً ويأتي أهل بيتي شعثاً غبراً ، مقهورين مظلومين تسيل دمائهم ، إيّاكم واتّباع الضّلالة والشّورى للجهالة ألا وإنّ هذا الأمر له