فاتّبعوك فهدوا ، وكنت أخفضهم صوتاً ، وأعلاهم قنوتاً ، وأقلّهم كلاماً ، وأصوبهم نطقاً وأكبرهم رأياً ، وأشجعهم قلباً ، وأشدّهم يقيناً ، وأحسنهم عملاً ، وأعرفهم بالأمور . كنت والله يعسوباً للّدين ، أوّلاً وآخراً : الأوّل حين تفرّق النّاس ، والآخر حين فشلوا ، كنت للمؤمنين أباً رحيماً ، إذ صاروا عليك عيالاً ، فحملت أثقال ما عنه ضعفوا ، وحفظت ما أضاعوا ، ورعيت ما أهملوا وشمّرت إذ [ ا ] اجتمعوا ، وعلوت إذ هلعوا ، وصبرت إذ أسرعوا ، وأدركت أوتار ما طلبوا ، ونالوا بك ما لم يحتسبوا . كنت على الكافرين عذاباً صبّا ونهباً ، وللمؤمنين عمداً وحصناً ، فطرت والله بنعمائها وفزت بحبائها ، وأحرزت سوابقها وذهبت بفضائلها ، لم تفلل حجّتك ، ولم يزغ قلبك ، ولم تضعف بصيرتك ، ولم تجبن نفسك ولم تخرّ . كنت كالجبل لا تحرّكه العواصف ، وكنت كما قال : أمن النّاس في صحبتك وذات يدك ، وكنت كما قال : ضعيفاً في بدنك ، قوياً في أمر الله ، متواضعاً في نفسك ، عظيماً عند الله ، كبيراً في الأرض ، جليلاً عند المؤمنين ، لم يكن لأحد فيك مهمز ، ولا لقائل فيك مغمز [ ولا لأحد فيك مطمع ] ولا لأحد عندك هوادة ، الضّعيف الذّليل عندك قويّ عزيز حتّى تأخذ له بحقّه ، والقويّ العزيز عندك ضعيف ذليل حتّى تأخذ منه الحقّ ، والقريب والبعيد عندك في ذلك سواء ، شأنك الحقّ والصّدق والرّفق وقولك حكم وحتم وأمرك حلم وحزم . ورأيك علم وعزم فيما فعلت ، وقد نهج السّبيل ، وسهل العسير وأطفئت النّيران ، واعتدل بك الدّين ، وقوى بك الإسلام ، فظهر أمر الله ولو كره الكافرون ، وثبت بك الإسلام والمؤمنون وسبقت سبقاً بعيداً ، وأتعبت من بعدك تعباً شديداً فجللت عن البكاء ، وعظمت رزيّتك في السّماء ، وهدّت مصيبتك الأنام ، فإنّا لله وإنّا إليه راجعون ، رضينا عن الله قضاه ، وسلّمنا لله أمره ، فوالله لن يصاب المسلمون بمثلك أبداً . كنت للمؤمنين كهفاً وحصناً ، وقنّة راسياً ، وعلى الكافرين غلظة وغيظاً ، فألحقك الله بنبيّه ، ولا أحرمنا أجرك ، ولا أضلّنا بعدك ، وسكت القوم حتّى انقضى كلامه