فيها من الجوهر وألوان الطيب ، وأفضل ممّا كان يظهر ، وأظهر القينات والمغنّين في ألوان التزيين ، ووقفوا صفوفاً والملاهي على صدورهم ، وجلس على السرير ولبس البردة ، وجعل التاج على رأسه ، وأنفذ رسلاً إلى أبي الحسن ( عليه السلام ) ودخل معه فارس بن ماهويه ، وفي يد المتوكّل كأس مملوء خمراً . فلمّا انتهى أبو الحسن ( عليه السلام ) إلى داره في المدينة ، فعلى له رتبة وتطاول إليه ، ودعا بسفرة فجعلت مع جانبه وأقبل عليه ، وقال : يا ابن العمّ ! ما ترى إلى هذه الدنيا وحسن هذا اليوم ، واستشعارنا فيه والسرور بك ؟ فقال : للّه وهو غير باش به ، وقال : إنّ سروري أتاني بما أطعتني فيه ، رفعت منزلتك وأطعتك فيما تحبّ ، وأفضلت على أهل بيتك ومواليك ، وكنت لك كنفسك ، وإن خالفتني فيه حملتني على قطع الرحم بيني وبينك ، ومعصية اللّه فيك ، وقصد أهل ومواليك بما لا تحبّه ، فاختر أيّ الحالتين شئت ، وأرجوا أن لا تخالفني ; ثمّ حلف له بغليظ الأيمان المؤكّدة لينفي له ما سمعه منه . فقال أبو الحسن ( عليه السلام ) : هذه تباشير خير ، سنة شرّ لا خير فيه ، فقال : اللّه الكافي . فقال المتوكّل للمغنّين : غنّوا واضربوا بالملاهي ، وغنّوا ، وشربوا ، وشرب المتوكّل ، فقال للخادم : هاته في كأس خمر ، وادفعه إليه ، وأقبل المتوكّل على أبي الحسن ( عليه السلام ) وقال : قد سمعت مأمون الأيمان وأنا بها أسألك أن تشرب هذا الكأس . فقال له أبو الحسن : أستغفر اللّه من الشيطان الرجيم ! فأخاف اللّه وأخشاه ، فإنّي لا أبدّل طاعتك في معصية اللّه .