فوضع على نفسه أوزار المسير ، ونهض في رمضاء [1] الهجير [2] ، فخطب فأسمع ونادى فأبلغ ثمّ سألهم أجمع ، فقال : هل بلّغت ؟ فقالوا : اللّهمّ ! بلى ! فقال : اللّهمّ ! اشهد ، ثمّ قال : ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم ؟ فقالوا : بلى ! فأخذ بيدك ، وقال : من كنت مولاه فهذا عليّ مولاه ، اللّهمّ وال من والاه ، وعاد من عاداه ، وانصر من نصره ، واخذل من خذله ؛ . . . مولاي ! أنت الحجّة البالغة ، والمحجّة الواضحة ، والنعمة السابغة ، والبرهان المنير ، فهنيئاً لك بما آتاك الله من فضل وتبّاً لشانئك ذي الجهل ، شهدت مع النبيّ صلّى الله عليه وآله جميع حروبه ومغازيه تحمل الراية أمامه ، وتضرب بالسيف قدّامه ، ثمّ لحزمك المشهور وبصيرتك في الأمور ، أمّرك في المواطن ولم تكن عليك أمير ، وكم من أمر صدّك عن إمضاء عزمك فيه التقى ، واتّبع غيرك في مثله الهوى ، فظنّ الجاهلون أنّك عجزت عمّا إليه انتهى ، ضلّ والله الظانّ لذلك وما اهتدى » [3] . لعمر أبيك ! لولا تلك العصمة العظيمة ، لم يمكثوا في تلك الأحوال القاصية القاصمة ، ولم يتخلّصوا من لومة اللائمين . وقد قال كبيرهم أمير المؤمنين ( عليه السلام ) : « وإنّي لمن قوم لا تأخذهم في الله لومة لائم ، سيماهم سيما الصدّيقين ، وكلامهم كلام الأبرار ، عماد الليل ومنار النهار ، متمسّكون بحبل القرآن ، يحيون سنن الله وسنن رسوله ،
[1] الرمض محرّكة : شدّة وقع الشمس على الرمل ، القاموس المحيط : 2 / 490 ( الرمض ) . [2] الهاجرة : نصف النهار عند زوال الشمس مع الظهر أو من عند زوالها إلى العصر ، القاموس المحيط : 2 / 223 ( هجره ) . [3] البحار : 97 / 359 ، ح 6 .