فقلت في نفسي : لو شاء مولاي لكشف لنا عنهم حتّى نراهم كما يروننا . فقال : حيّوا بعمّي وقرّة عيني أبي جعفر ، ثمّ مدّ يده ومرّ على أعيننا ، فكان بيننا وبينهم سدّاً ، ثمّ كشف عن أعيننا وتجلّت ، فأردنا أن نعتنقهم . فقال لنا : حرمة الطعام أوجب ، فقد بدأتم به ، فإذا قضيتم أريكم منه ، فافعلوا بإخوانكم ما تشاؤون . فلبثنا ننظر إليهم شحب الألوان نحل الأبدان غاضّين أعينهم ، يتكلّمون خفاتاً ، وأعينهم ترغرغ بالدمع . فقلنا : يا سيّدنا ! الجنّ بهذه الصورة كلّهم ؟ ! فقال : لا ، فيهم ما فيكم ، وأمّا هؤلاء فاسألوهم ، فإنّهم لا يطعمون طعاماً ولا يشربون شراباً إلاّ في وقت قيام نبيّ أو وصيّ ، فيأمرهم فيأكلون طاعة له ، لا رغبة في الطعام والشراب ، وقد صرفوا أنفسهم للّه ، وأشغلتهم الرهبة والخواف من اللّه عن الطعام والشراب ، فصارت صورهم كما ترون . فقلنا : يا سيّدنا ! لقد أقررت أعيننا بالنظر إلى إخواننا هؤلاء من الجنّ . فقال : الآن قد قبلت أعمالكم عندنا ، وعلمنا أنّ للّه عباداً مكرمين فوقنا في درجات اللّه في طاعته . قال : لمواليكم من إخوان الجنّ كالخرس ، لا ينطقون نطقة ، ولا برمقة عيوننا حتّى أذن لهم ، فكان الستر بيننا وبينهم قد أسبل على أعيننا . . . [1] .
[1] الهداية الكبرى : 333 ، س 4 . يأتي الحديث بتمامه في ج 2 ، رقم 430 .