أمنان من الدم ، وهذا الذي حكيت لو خرج من عين ماء لكان عجباً ، وأعجب ما فيه اللبن . ففكّر ساعة ، ثمّ مكثنا ثلاثة أيّام بلياليها نقرأ الكتب على أن نجد لهذه الفصدة ذكراً في العالم فلم نجد ، ثمّ قال : لم تبق اليوم في النصرانيّة أعلم بالطبّ من راهب بدير العاقول . فكتب إليه كتاباً ، يذكر فيه ما جرى ، فخرجت وناديته ، فأشرف عليّ فقال : من أنت ؟ قلت : صاحب بختيشوع . قال : أمعك كتابه ؟ قلت : نعم ! فأرخى لي زبّيلاً [1] ، فجعلت الكتاب فيه فرفعه ، فقرأ الكتاب ، ونزل من ساعته ، فقال : أنت الذي فصدت الرجل ؟ قلت : نعم ! قال : طوبى لأُمّك ! وركب بغلاً ، وسرنا فوافينا سرّ من رأى ، وقد بقي من الليل ثلثه ، قلت : أين تحبّ دار أستاذنا أم دار الرجل ؟ قال : دار الرجل ، فصرنا إلى بابه قبل الأذان الأوّل ، ففتح الباب وخرج إلينا خادم أسود ، وقال : أيّكما راهب دير العاقول ؟ فقال : أنا ، جعلت فداك ! فقال : انزل ! وقال لي : الخادم احتفظ بالبغلين ، وأخذ بيده ودخلا فأقمت إلى أن أصبحنا وارتفع النهار . ثمّ خرج الراهب ، وقد رمى بثياب الرهبانيّة ، ولبس ثياباً بيضاً وأسلم ، فقال : خذني الآن إلى دار أستاذك ، فصرنا إلى باب بختيشوع ، فلمّا رآه بادر يعدو إليه ، ثمّ قال : ما الذي أزالك عن دينك ؟