وخيبر وحنين يشهدان له * وفي قريضة يوم صيلم قتم ( 1 ) مواطن قد علت في كل نائبة * على الصحابة لم أكتم كما كتموا فغضب هشام ومنع جائزته وقال : ألا قلت فينا مثلها ، قال : هات جدا كجده وأبا كأبيه وأما كأمه حتى أقول فيكم مثلها . فحبسه بعسفان بين مكة والمدينة . فبلغ ذلك علي بن الحسين ( عليهما السلام ) فبعث إليه باثني عشر ألف درهم وقال : إعذرنا يا أبا فراس فلو كان عندنا أكثر من هذا لوصلناك به . فردها وقال : يا ابن رسول الله ما قلت هذا الذي قلت إلا غضبا لله ولرسوله وما كنت لأرزأ عليه شيئا . فردها إليه وقال : بحقي عليك لما قبلتها ، فقد رأى الله مكانك وعلم نيتك . فقبلها ، فجعل الفرزدق يهجو هشاما وهو في الحبس ، فكان مما هجاه به قوله : أتحبسني بين المدينة والتي * إليها قلوب الناس تهوى منيبها تقلب رأسا لم يكن رأس سيد * وعين له حولاء باد عيوبها فأخبر هشام بذلك فأطلقه ، وفي رواية أبي بكر العلاف أنه أخرجه إلى البصرة ( 2 ) نعم هكذا تنتصر الأخلاق الحسينية وتنشق الحجب من فوق عيون المغفلين ويفضح أمر المجرمين . فليس الانتصار عند الإمام الحسين ( عليه السلام ) هو اعتلاء كرسي الحكم الزائل أو الاستلام للرئاسة الباطلة أو العمالة للطغاة خوفا أو طمعا ، كما يتلهف لها حتى بعض المنادين باسم الحسين ( عليه السلام ) وما النصر إلا من عند الله ، ولا ينصر الله إلا من ينصره في دينه . وقد نصر الحسين ( عليه السلام ) دين الله ، فهو المنتصر بنصر الله . إذن لا يمكن القول في ثورة الحسين إلا أنها منصورة ومنتصرة بالمفهوم المعنوي والأخلاقي والحضاري والروحي ، وكذلك المادي ، إذ قامت الثورات الاحتجاجية بعدها حتى انتهت الدولة الأموية الدموية إلى غير رجعة ، فعرفت الأمة أن دين محمد ( صلى الله عليه وآله ) لم يزل قائما إلى يومنا والى يوم القيامة ، فما أعظم هذا النصر !
1 - الصيلم : الامر الشديد والداهية . والقتم من القتام بمعنى الغبار . 2 - المناقب : ج 4 ص 169 - 172 .