فلم يزل يقتل كل من برز إليه حتى قتل جمعا كثيرا ( 1 ) . وبعد أن قتل مقتلة عظيمة صاح عمر بن سعد : هذا ابن الأنزع البطين ، هذا ابن قتال العرب - وكان اللعين يقصد انه ابن علي ( عليه السلام ) الذي قال عن سيفه البتار رسول الله المختار ( صلى الله عليه وآله ) " لولا سيف علي ومال خديجة لما قام الاسلام وما استقام " . انظر أيها القارئ المنصف كيف يثير ابن سعد بكلماته في جنوده المضلين النزعة القومية البغيضة التي كانت في عرب الجاهلية ، وهذا أكبر دليل على انقلاب أولئك العرب من بعد النبي ( صلى الله عليه وآله ) على أعقابهم ، ولولا هذا الضلال لما جاؤوا لقتل سبط النبي ( صلى الله عليه وآله ) فتأمل واقرأ بقية قصة الإباء والفداء التي جسدها أبي الضيم الحسين بن علي ( عليهما السلام ) فقد كان عمر بن سعد ينادي في جنوده - احملوا عليه من كل جانب . فصوبت نحوه أربعة آلاف نبلة ، فحمل ( عليه السلام ) على الميمنة حملة ليث مغضب ، وجراحاته تشخب دما ، ثم حمل على الميسرة ( 2 ) ، فتطاير العسكر من بين يديه ، واتجهوا نحو الخيام . . . ثم ازدحم عليه العسكر ، واستحرى القتال وهو يقاتلهم ببأس شديد ، وشجاعة لا مثيل لها . قال عبد الله بن عمار بن يغوث : فوالله ما رأيت مكثورا قط ( 3 ) ، قد قتل ولده ، وأهل بيته وصحبه ، أربط جأشا منه ولا أمضى جنانا ، ولا أجرأ مقدما ولقد كانت الرجال تنكشف بين يديه إذا شد فيها ، ولم يثبت له أحد . ( 4 ) وفي رواية أخرى : فوالله ما رأيت مكسورا قط ، قد قتل ولده ، وأهل بيته وأصحابه ، أربط جأشا ولا أمضى جنانا منه ، ولا أجرأ مقدما ، والله ما رأيت قبله ولا بعده مثله ، أن كانت الرجالة لتنكشف من عن يمينه وشماله انكشاف المعزى إذا شد فيها الذئب ( 5 ) . وقال آخر ( 6 ) : ولقد كان يحمل فيهم وقد تكاملوا ثلاثين ألفا . . فينهزمون من بين يديه كأنهم الجراد المنتشر ، ثم يرجع إلى مركزه وهو يقول : لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم ( 7 ) .
1 - مثير الأحزان ، لابن نما : 37 . ومقتل الحسين عليه السلام ، للخوارزمي 2 : 33 . 2 - المناقب 2 : 223 . 3 - قال ابن الأثير : المكثور المغلوب ، وهو الذي تتكاثر عليه الناس 4 - تاريخ الطبري 6 : 259 . ونسبه الخوارزمي في مقتله 2 : 38 إلى بعض من شهد الواقعة . 5 - تاريخ الأمم والملوك ، للطبري 4 : 345 ، مطبعة الاستقامة بمصر . 6 - كما في كتاب البداية والنهاية 4 : 10 . 7 - أئمتنا ، للأستاذ علي محمد علي دخيل 1 : 239 .