يصلوا في بيوتهم ، وذهبوا في الشعاب فاستخفوا بصلاتهم عن قومهم ، إذ كانوا قلة ، وفي بيوتهم من لا يدينون بغير ما وجدوا عليه آباءهم . لكن أمر الاسلام لم يكن بحيث يخفى طويلا بعد أن فشا . وتلقى الرسول المصطفى أمر الله سبحانه [1] فجهر بالدعوة وبادى قومه بها . ولعلهم استخفوا به أول الامر ، وكبر عليهم أن يظهروا غيظهم منه . حتى ذكر المصطفى آلهتهم وعابها ، فناكروه وأجمعوا خلافه وعداوته ، الا القلة التي ترددت فيه . ماذا تستطيع قريش ، لمن آمنوا بمحمد ، من صميم بيوتها وسادة عشائرها ؟ لئن أعياها أن تثب عليهم أو تنالهم بأكثر من السخرية والمقاطعة والوعيد ، فقد بقي الموالي المستضعفون تنفس فيهم عن قهرها وغيظها ، وتتسلط عليهم بأبشع ضروب التعذيب والفتنة . ولم يفتها وهي ترى مواليها يسارعون إلى الاستجابة للاسلام ، أن تلمح ما وراء هذه البادرة من خطر يهدد الوضع الطبقي الذي قامت عليه حياة قريش جيلا بعد جيل . كما لم يفتها أن تدرك ما يتطلع إليه الأرقاء من خلاص بهذا الدين الجديد الذي يقرر أن الناس جميعا إخوة ، ويبطل عبودية البشر لغير خالقهم .
[1] في سورة المدثر ، رابعة السور في ترتيب النزول ، على المشهور . وانظر السيرة : 1 / 280 مع تاريخ الطبري : 2 / 230 .