لكن الاسلام بتقريره حرية العقيدة وعدم الاكراه في الدين ، أصلا من أصول دعوته ، استصفى من قريش والموالي بمكة وسابقي الأنصار ، الجنود الأولين لحزب الله : لم ينتظروا حتى يحسبوا حسابا لمكسب أو خسارة ، بل استجابوا لداعي الاسلام بمحض إرادتهم ، عن اعتقاد راسخ وضمير حر ، فما عادوا بحيث يخشون فيه لومة لائم ، أو يبالون الموت في سبيل ما آمنوا أنه الحق من ربهم . وزودهم إيمانهم الصادق بطاقة فذة ، نفذ أثرها إلى صميم الجبهة القرشية ، فكان منها المدد المتصل المتتابع ، لكتيبة المؤمنين . وتصدع بنيان الوثنية من قبل أن تلقى الاسلام في الصدام المسلح الذي فرضته طبيعة الموقف ، وقد أذن للمسلمين في القتال إقرارا لمبدأ حرية العقيدة ، وغضبا لحرمات الله ، ودفعا لما سيموا من أذى واضطهاد . وقررت كذلك مصيره : ينتصر الحق على الباطل فيزهقه ، وينسخ النور الظلام فتنجلي غواشي الوثنية عن أم القرى والبيت العتيق . على ساحة ( بدر ) كانت أولى جولات هذا الصدام ، وموقعة بدر لم تأت فجأة ، بل سبقتها نذر تراكمت على الأفق ما بين دار المبعث ودار الهجرة ، معلنة عن حتمية الحرب بين الاسلام والوثنية ، إذ ليس من طبيعة الأشياء أن يتهادن حق وباطل . وقد أذن للمسلمين في القتال ، بعد طول صبر واحتمال .