هل انقطع ما بينهم وبين أم القرى ، وطووا ما كان لهم فيها من ذكريات ؟ كلا ! بل بقيت مكة مهوى أفئدتهم كما هي مهوى أفئدة الأنصار وسائر العرب . وما كان الفراق سهلا ، ولا كان في المهاجرين من ودعها إلا وقلبه مثقل بالشجن . وكأنما كان المصطفى صلى الله عليه وسلم يعبر عما يجدون ، حين وقف ساعة خروجه للهجرة يستوعب مكة بنظرة حزينة ويقول مودعا : ( والله إنك لأحب أرض الله إلى الله ، وإنك أحب أرض الله إلي ، ولولا أن أهلك أخرجوني منك ما خرجت ) . ورغم ما حفلت به الأيام الأولى في دار الهجرة ، من مراسم الترحيب والإخاء وشواغل التنظيم للمجتمع الاسلامي الجديد ، كانت وطأة الحنين ترهق أكثرهم فترهف حساسيتهم لتغير الجو ! وألم بكثير منهم سقم وأجهدتهم الحمى . وفي هذيان الحمى كان المطوي من أشواقهم ومكبوت حنينهم ، يتنفس مفلتا من أعماق أفئدتهم ، إلى ألسنتهم . تتحدث أم المؤمنين ( عائشة بنت أبي بكر ) عن أول عهدهم بالمدينة فتقول : ( كان أبو بكر وعامر بن فهيرة وبلال ، في بيت واحد . فأصابتهم الحمى فدخلت عليهم أعودهم ، وذلك قبل أن يضرب