واليهودية في يثرب وما حولها من مستعمرات يهود شمال الحجاز . وعرفت الصابئة عبدة النجوم والكواكب ، وسمعت عن المجوسية بحكم اتصال إمارة المناذرة العربية بالفرس . . . وتلاقت هذه الأديان الوافدة ، مع الوثنية العربية ، ومع البقية من دين إبراهيم قاومت الضياع قرونا وأدهارا ، فتمثلت في قلة من الحنفاء رفضوا عبادة الأوثان في أخريات الجاهلية ، وتجد أخبارهم بتفصيل ، في الجزء الأول من ( السيرة النبوية لابن هشام ) . والتقاء هذه الأديان والعبادات في المنطقة الواحدة ، يمنحها فرصة التنبه إلى ما بينها من مظاهر التفاوت والخلاف ، ومثار الخصومة والتنازع . كما أن توزع أهل الجزيرة العربية بين هاتيك الأديان ، في فترة من حياتهم كانت تقتضي التجمع والترابط لمواجهة التهديد الخارجي من فرس وروم وحبشة ، أرهف حسهم لما داخل تدين كل طائفة من شوائب الانحراف والتعصب . فإن لم يصل بهم إلى مستوى التمييز ، فأدنى أثره أن يجعل المنطقة في حيرة وتردد ، لا تدري أي تلك الطوائف على حق وأيها على باطل . ولم تكن الفطرة العربية ، قد أفسدها ما تسلط على الفرس والروم من ترف باذخ وانحلال منهك ، ولا قهرها ما تسلط على شعوب المناطق حولها - في الشام ومصر وما وراءها من أقطار الشمال الإفريقي - من باهظ الاحتلال الذي جثم عليها قرابة ألف عام ، لم تنج منه سوى