( ما رأيت بمكة أحسن لمة ولا أرق ولا أنعم نعمة ، من مصعب ابن عمير ) . بلغ مصعبا يوما أن محمد بن عبد الله الهاشمي ، في دار الأرقم يدعو إلى الاسلام . فاتجه إليه من تلقاء نفسه فبايعه . وكتم إسلامه إشفاقا على أبويه اللذين شغفهما حبا . حتى بصر به ( عثمان بن طلحة ) يصلي صلاة المسلمين ، فأخبر قومه فأخذوه وحبسوه ليفتنوه عن دينه . فلم يزل محبوسا إلى أن لاحت له فرصة الافلات فهاجر بدينه إلى أرض الحبشة . وعاد إلى مكة مع من عادوا من مهاجرة الحبشة حين بلغتهم بشرى انهيار الحصار المنهك الذي ضربه المشركون على المسلمين ومن والاهم من بني هاشم . فما رأت مكة فتى مثل مصعب ، استبدل بأناقة المظهر بهاء الايمان ، وبخيلاء النعمة جلال التقى وتواضع الخشوع . واختاره المصطفى من بين أصحابه ليكون إمام الأنصار في يثرب ، فأقام عاما هناك يتنقل بين دورها : يؤم المسلمين في الصلاة ويعلمهم الدين ويتلو القرآن ، فتخشع له القلوب والضمائر متفتحة لنور الهدى . خرج مصعب يوما مع ( أسعد بن زرارة ) سيد الخزرج ، وكان منزله عليه ، إلى حي بني عبد الأشهل ، واجتمع إليهما رجال من الأنصار . فسمع بمقدمهما ( سعد بن معاذ ، وأسيد بن حضير ) وهما يومئذ سيدا قومهما ، وكلاهما على الشرك ، دين العشيرة والآباء .