وشغلت يثرب بأمر الاسلام ، منذ عاد إليها الخزرجيون الذين بايعوا المصطفى : العرب من أوس وخزرج ، يلقون أسماعهم إلى حديث هؤلاء الأنصار ، ولا يكاد يفرغ لهم عجب لما يشهدون من حماستهم للدعوة ، وصدق حبهم للرسول وإيمانهم برسالته . ويهود ، في شغل شاغل بهذه البادرة الخطرة . كان الخزرجيون أصحاب البيعة الأولى ، ستة نفر أو سبعة ، لم يكن عددهم هو الذي شغل يهود ، بقدر ما شغلهم أن الدين الاسلامي وصل إلى يثرب وكان الظن أن يبقى محصورا في مكة بين أحياء قريش يمزقها بددا . وقد راحوا يترصدون خطوات الدعاة الأولين من الأنصار ، متعلقين بالرجاء في أن عرب يثرب لن يلبثوا أن يختلفوا على الاسلام ، وأن الأوس لن ترضى عن دعوة حملها رهط من الخزرج ، ومثل هذا الخلاف المتوقع مرجو لان يلهب نار العداوة والبغضاء بينهم ، ويمدها بوقود يزيدها حدة وضراما : لكن عاما مضى والأنصار الخزرجيون ماضون في دعوتهم لا يصدهم عنها من قومهم صاد . حتى إذا حل موسم الحج ، ذاع خبر من مكة ان اثني عشر يثربيا ممن وافوا الموسم ، لقوا نبي الاسلام عند العقبة وبايعوه . وجن غيظ يهود وهي ترى في هذه البوادر إيذانا بتحول خطير في حركة الدعوة الاسلامية التي عاشت في مكة أكثر من عشر سنين ،