ففي مكة قبل سواها ، كان ينبغي أن تستقر الدعوة ، بحكم التاريخ الديني العريق للبلد الحرام والبيت العتيق . لكن عشر سنين من الصراع المرير بين الاسلام والوثنية القرشية ، بلغت بالجولة المكية ذروة تعقدها وفرضت أن تأخذ الاحداث متجها آخر . وبدأ المصطفى بالطائف ، فخرج من مكة يلتمس النصرة من ثقيف والمنعة بهم من قومه ، ويرجو أن يقبلوا منه دعوته التي تصدت لها قريش بالمقاومة والاضطهاد ، بغيا وعنادا . . خرج وحده ، فلما انتهى إلى الطائف اتجه إلى ثلاثة إخوة ، أبناء عمرو بن عمير الثقفي ، هم يومئذ سادة ثقيف . وكان أحدهم زوجا لقرشية من بني جمح . فجلس إليهم صلى الله عليه وسلم حيث وجدهم في بستان لهم ودعاهم إلى الاسلام والتمس نصرتهم . فكان رد أولهم ، أنه يمرط ثياب الكعبة - أي ينزعها ويرمي بها - إن كان الله قد أرسله ! ورد الثاني : أما وجد الله أحدا يرسله غيرك ؟ وقال ثالثهم : والله لا أكلمك أبدا ! لئن كنت رسولا من الله كما تقول ، لأنت أعظم خطرا من أن أرد عليك الكلام . ولئن كنت تكذب على الله فما ينبغي لي أن أكلمك . فقام صلى الله عليه وسلم من عندهم ، وقد يئس من خير ثقيف . وأقصى ما طمع فيه منهم ، أن يستجيبوا لرجائه في أن يكتموا أمره معهم ، كيلا تزداد قريش جرأة عليه .