يهود الشمال ، وهؤلاء وأولئك أهل كتاب يتلون التوراة والإنجيل ويصدقون برسالات الله . لكن موقفهما في الواقع التاريخي كان جد مختلف : نصارى نجران عرب مؤمنون ، فيهم رهبان بررة كانوا هناك ملء القلوب والاسماع ، إخلاصا في العبادة وعزوفا عن الشهوات وعزوفا عن أعراض الدنيا . ويهود يثرب أجانب طارئون دخلاء ، يدعون الموسوية ذريعة استغلال ، وفيهم أحبار ذوو عدد ، شغلوا عن الدين بالدنيا . راب نصارى نجران قبيل الاسلام ، أن كان اليهود ممن روجوا لبشرى المبعث . فهل قصدوا بهذا إلى أن يلقوا غشاوة على أبصار العرب ، كيلا تلمح على سحنتهم بصمة الجريمة النكراء للائتمار بالسيد المسيح عليه السلام ؟ لقد بعد العهد بها ، كما بعد مسرحها في القرية الظالمة عن بلاد الحجاز وأرض المبعث ، لكن النصارى بوجه عام لم يكونوا لينسوا هذه الجريمة ، فضلا عن أن ينسى نصارى نجران جريمة أخرى لم يتقادم عليها الزمن ، بلغ ضحاياها عشرين ألفا من نصارى العرب في نجران ، أول عهدها بالنصرانية . المأساة بدأت حين وفد على ديارهم راهب نصراني صالح ، ابتنى له خيمة بضواحي نجران وعكف على عبادة الله . فمال إليه فتى عربي من أهلها ، وكانوا على دين العرب أهل شرك ، قد اتخذوا نخلة باسقة