وأقاموا على ذلك الحلف المشئوم زمنا ، سنتين أو ثلاثا ، لقي فيها المسلمون والهاشميون من جهد الحصار ما لا يحتمل ، وحيل بينهم ، وقد انحازوا إلى شعب أبي طالب ، وبين الطعام والشراب يشترونه من التجار الوافدين على أسواق مكة ، وقد يأتي أحد المنحازين إلى الشعب سوق مكة يلتمس قوتا يشتريه لعياله ، فيقوم أبو لهب ويصيح بالتجار : ( غالوا على أصحاب محمد حتى لا يدركوا معكم شيئا ، وقد علمتم مالي ووفاء ذمتي ) . فيزيد التجار ثمن السلعة أضعافا مضاعفة ، ويرجع أصحاب محمد إلى صبيتهم بالشعب وليس في أيديهم طعام ، ويرجع التجار إلى أبي لهب فيفيهم ثمن ما غالوا فيه على المحاصرين فلم يدركوه . وبلغ منهم الجوع وجهد الحصار مبلغا يصوره قول ( سعد بن أبي وقاص ) بعد محنة الحصار بسنين : ( لقد جعت حتى إني وطئت ذات ليلة على شئ رطب فوضعته في فمي وبلعته ، وما أدري ما هو حتى الآن ) . وكانت التمرة الواحدة ربما وقعت لاثنين منهم يقتسمانها فيكون أحسنهما حظا من وقعت نواة التمرة في قسمه ، يلوكها بقية يومه ! وإنما كان طعامهم الخبط وورق السمر ، وما قد يأتيهم به سرا بعض ذوي رحمهم ، بدافع من المروءة والنجدة ، مستخفيا به من طواغيت قريش الساهرين على إحكام الحصار وإنفاذ وثيقة المقاطعة . نقل ابن هشام في ( السيرة النبوية ) والطبري في ( تاريخه ) أن أبا