وانصرفا ، أما عبد الله بن أبي ربيعة - وكان أتقى الرجلين - فساوره ما يشبه القلق ، لما رأى من خشوع النجاشي وأساقفته عندما سمعوا القرآن . وأخجله أن يكون هذا الملك لغريب أبر بالمهاجرين من قومهم وذوي أرحامهم . وأما عمرو بن العاص فلم يجد في موقف النجاشي ما يدعو إلى يأس ، وله من ذكاء الحيلة وبراعة الدهاء ما يغريه بمعاودة الكرة . قال لصاحبه : ( ولله لآتين النجاشي غدا عنهم بما أستأصل به خضراءهم ) . ورد عبد لله : ( لا تفعل ، فإن لهم أرحاما وإن كانوا خالفونا ) . فلم يبال عمرو تراجع صاحبه ، بل قال كمن لم يسمع رده : ( ولله لأخبرنه أنهم يزعمون أن عيسى بن مريم عبد ) . وسعى في الغد إلى قصر النجاشي فاستأذن في الدخول وقال بعد أن حياه : - أيها الملك ، إنهم يقولون في عيسى بن مريم قولا عظيما ، فأرسل إليهم فسلهم عما يقولون فيه . وأمر النجاشي فجئ بجعفر بن أبي طالب وصحبه من وفد المهاجرين ، وقد سمعوا بمكيدة عمرو ، وأجمعوا أمرهم على أنهم إذا سئلوا عما يقولون في عيسى بن مريم ، لم يجيبوا بغير ما جاءهم به المصطفى من وحي ربه . فلما اجتمع المجلس ابتدرهم النجاشي يسأل : - ماذا تقولون في عيسى بن مريم ؟