وأنت أيدك الله بلطفه إذا اعتبرت معاني هذه الأحاديث الواردة من هذه الطرق أمكنك معرفة الحق ، فان قوله : ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم وقوله : وهو ولي كل مؤمن بعدي ، إلى غير ذلك صريح في إمامته ، وظاهر في التعيين عليه لا ينكره إلا من يريد دفع الحق بعد ثبوته ، والتغطية على الصواب بعد بيانه ، وستر نور الشمس بعد انتشار أشعتها . وليس يصح في الافهام شئ إذا احتاج النهار إلى دليل ومن أغرب الأشياء وأعجبها أنهم يقولون : إن قوله عليه السلام في مرضه : مروا أبا بكر يصلى بالناس نص خفى في توليته الامر وتقليده أمر الأمة ، وهو على تقدير صحته لا يدل على ذلك ، ومتى سمعوا حديثا في أمر علي ( ع ) نقلوه عن وجهه وصرفوه عن مدلوله ، وأخذوا في تأويله بأبعد محتملاته ، منكبين عن المفهوم من صريحه ، أو طعنوا في راويه وضعفوه ، وان كان من أعيان رجالهم وذوي الأمانة في غير ذلك عندهم هذا مع كون معاوية بن أبي سفيان ، وعمرو بن العاص والمغيرة بن شعبة وعمران بن حطان الخارجي وغيرهم من أمثالهم من رجال الحديث عندهم ، وروايتهم في كتب الصحاح عندهم ثابتة عالية ، يقطع بها ويعمل عليها في أحكام الشرع ، وقواعد الدين ، ومتى روى أحد عن زين العابدين علي بن الحسين وعن ابنه الباقر وابنه الصادق وغيرهم من الأئمة عليهم السلام نبذوا روايته وأطرحوها ، وأعرضوا عنها ، فلم يسمعوها وقالوا : رافضي لا اعتماد على مثله ، وان تلطفوا قالوا : شيعي ما لنا ولنقله ؟ مكابرة للحق ، وعدولا عنه ورغبة في الباطل وميلا إليه واتباعا لقول من قال : ( إنا وجدنا آباءنا على أمة ) أو لعلهم رأوا ما جرت الحال عليه أولا من الاستبداد بمنصب الإمامة ، فقاموا بنصر ذلك محامين عنه غير مظهرين لبطلانه ، ولا معترفين به استنانا بحمية الجاهلية ، وهذا مجال طويل لا حاجة بنا إليه .