أمرى ما استدبرت ما سقت الهدي ، ثم أمر فنودي من لم يسق هديا فليحل وليجعلها عمرة ، ومن ساق هديا فليقم على إحرامه ، فأطاع بعض وخالف بعض وجرت بينهم خطوب ، وقال بعضهم : رسول الله أشعث أغبر ونلبس الثياب ونقرب النساء وندهن ؟ وقال بعضهم : أما تستحون أن تخرجوا ورؤوسكم تقطر من الغسل ورسول الله على إحرامه ؟ فأنكر علي من خالف وقال : لولا أنني سقت الهدي لأحللت وجعلتها عمرة فمن لم يسق فليحل ، فرجع قوم وأقام آخرون فقال لبعض من أقام : هلا أحللت ولم تسق هديا ؟ فقال : والله لا أحللت وأنت محرم ، فقال له : انك لن تؤمن بها حتى تموت فلذلك أقام على إنكار متعة الحج وصرح بتحريمها ونهى عنها . قلت : لو نقب أحد مسند أحمد بن حنبل لوجد فيه أحاديث كثيرة تقتضي الامر بها ، والحث عليها ، والإشارة بذكرها ولعلها تزيد على خمسين موضعا أو أكثر . ولما قضى رسول الله ( ص ) نسكه شرك عليا في هديه وقفل إلى المدينة معه فانتهى إلى غدير خم ، فنزل حين لا موضع نزول لعدم الماء والمرعى ، ونزل المسلمون معه ، وكان سبب نزوله انه أمر بنصب أمير المؤمنين خليفة في الأمة من بعده ، وتقدم الوحي إليه في ذلك من غير توقيت ، فأخره إلى وقت يأمن فيه الاختلاف وعلم أنه ان تجاوز غدير خم انفصل عنه كثير من الناس إلى بلادهم وأماكنهم وبواديهم ، فأراد الله أن يجمعهم لسماع النص وتأكيد الحجة فأنزل الله تعالى : ( يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك ) يعنى في استخلاف علي والنص عليه بالإمامة ( وان لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس ) . فأكد الفرض عليه بذلك وخوفه من تأخير الامر وضمن له العصمة