ومرهم بكذا وكذا ولا تحبس ( 1 ) عنى ، فخرجت أريد الضيعة ، فمررت بكنيسة النصارى فسمعت أصواتهم ، فقلت : ما هذا ؟ قالوا : هؤلاء النصارى يصلون ، فدخلت انظر فأعجبني ما رأيت من حالهم ، فوالله ما زلت جالسا عندهم حتى غربت الشمس ، وبعث أبي في طلبي في كل وجه حتى جئته حين أمسيت ولم اذهب إلى ضيعته ، فقال : أبي أين كنت قلت ؟ مررت : بالنصارى فأعجبني صلاتهم ودعاؤهم فقال : أي بنى ان دين آبائك خير من دينهم ، فقلت : لا والله ما هذا بخير من دينهم هؤلاء قوم يعبدون الله ويدعونه ويصلون له وأنت انما تعبد نارا أوقدتها بيدك إذا تركتها ماتت ، فجعل في رجلي حديدا وحبسني في بيت عنده . فبعثت إلى النصارى فقلت : أين أصل هذا الدين ؟ قالوا : بالشام ، قلت : إذا قدم عليكم من هناك ناس فأذنوني ، قالوا : نفعل فبعثوا بعد انه قدم تجار ( 2 ) فبعثت : إذا قضوا حوائجهم وأرادوا الخروج فأذنوني به ، قالوا : نفعل ، ثم بعثوا إلى بذلك ، فطرحت الحديد من رجلي و انطلقت معهم ، فلما قدمت الشام قلت : من أفضل هذا الدين ؟ قالوا : الأسقف صاحب الكنيسة ، فجئت فقلت : إني أحببت ان أكون معك وأتعلم منك ، قال : فكن معي فكنت معه . وكان رجل سوء يأمرهم بالصدقة ، فإذا جمعوها اكتنزها ولم يعطها المساكين منها ولا بعضها ، فلم يلبث أن مات ، فلما جاؤوا ان يدفنوه ، قلت : هذا رجل سوء ونبهتهم على كنزه ، فاخرجوا سبع قلال ( 3 ) مملوة ذهبا ، فصلبوه على خشبه ورموه بالحجارة ، وجاؤا برجل آخر فجعلوه مكانه . فلا والله يا ابن عباس ما رأيت رجلا قط أفضل منه وأزهد في الدنيا وأشد اجتهادا منه ، فلم أزل معه حتى حضرته الوفاة وكنت أحبه ، فقلت : يا فلان قد حضرك ما ترى من امر الله فإلى من توصي بي قال : أي بنى ما اعلم الا رجلا بالموصل فاته فإنك ستجده على مثل حالي ، فلما مات وغيب لحقت بالموصل ، فاتيته فوجدته على مثل حاله من الاجتهاد و
1 - في ق 1 : ولا تحتبس . 2 - في ق 3 : علينا تجار . 3 - قلال ، كرجال : جمع القلة بمعنى الاناء ، من أواني العرب شبه الحب .