الله عليه وآله وسلّم سئم المقام بمكّة ودخله حزن شديد وأشفق على نفسه من كفّار قريش ، فشكى إلى جبرئيل ذلك فأوحى الله إليه : يا محمّد ، ( أَخْرِجْنَا مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا ) [1] ، وهاجر إلى المدينة ، فليس لك اليوم بمكّة ناصر وانصب للمشركين حرباً ، فعند ذلك توجّه رسول الله إلى المدينة " [2] . قال العلامة المجلسي : " وروى الثّعلبي في تفسيره قال : لما أراد النّبي الهجرة خلف علّياً لقضاء ديونه وردّ الودائع الّتي كانت عنده " [3] . وقال السّيد ابن طاوس : " ثم العجب انّه ما كفاه ذلك كلّه حتّى يقيم ثلاثة أيّام بمكّة بعد النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم يردّ الودائع ويقضي الدّيون ويجهّز عياله ويسدّ مسدّه ، ويحمل حرمه إلى المدينة بقلب راسخ ورأي شامخ " [4] . وهكذا نجد أن الأخبار في إنّ علّياً عليه السّلام قضى دين رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم متواترة ، ولكن من ذهب الله بنوره - كابن تيميّة - تنكّر لهذه الروايّات ، قائلا : " إنّ دين النّبي صلّى الله عليه وآله وسلّم لم يقضه علّي ، بل في الصّحيح إنّ النّبي صلّى الله عليه وآله وسلّم مات ودرعه مرهونة عند يهوديّ على ثلاثين وسقاً من شعير ابتاعها لأهله ، فهذا الدّين الّذي كان عليه يقضي من الرّهن الّذي رهنه ، ولم يعرف على النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم دين آخر " [5] . ولا يخفى عليك وجه المغالطة في ذلك ، فانّ عليّاً قضى ديون النّبي صلّى الله عليه وآله وسلّم عند هجرته من مكّة إلى المدينة ، وأين هذا ممّا استدّل به ابن تيميّة حول ديون النّبي صلّى الله عليه وآله وسلّم عند موته ؟ ! .
[1] سورة النّساء : 75 . [2] تفسير العياشي ج 1 ص 257 رقم 192 . [3] البحار ، الطبعة القديمة ج 6 ص 422 والطبعة الحديثة ج 19 ص 86 . [4] الطرائف ج 1 ص 34 . [5] منهاج السنّة ج 4 ص 96 .