في هذه الحياة ، بكل امتداداتها الصحيحة ، والمتخذة على أساس عقيدي واضح وراسخ . أما الزهد الذي واجهه علي « عليه السلام » ، وتجلى في الخوارج ، فقد كان منشؤه الجهل ، الذي انقلب إلى أشكال وحركات أنتجت حالة من الغرور والصلف والعجرفة ، والصدود عن الحق ، وعدم التفاعل مع كلمة الحق ، والخير والصلاح . إن الزهد الذي بثه ورعاه علي « عليه السلام » ، لم يكن هروباً من المسؤولية ، ولا كان غروراً واندفاعاً غير مسؤول . في مواقع الجهل ومزالق الهوى . . بل كان هو الزهد الهادف والمسؤول الذي يعي بعمق حقيقة هذه الحياة ، ودوره فيها . لينطلق لبنائها على أساس الهيمنة عليها ، والتحكم بها ، وليس زهده هو الخنوع والخضوع ، والانسحاب من الساحة ، بل هو المواجهة والتحدي والتضحية ورفض الانحراف ، ومواجهة الظلم بكل مظاهره وأشكاله . قال جولد تسيهر : « أن الميل إلى الزهد كان مرتبطاً بالثورة على السلطان القائم » [1] . نعم . . ولكنها ليست ثورة الفوضى بل ثورة العمل بالتكليف الشرعي ، والامتثال للحكم الإلهي . التأثير المسيحي في الزهد العراقي : ويحاول البعض أن يعزو زهد العراقيين إلى تأثرهم بالمحيط المسيحي الذي كان يكتنف مجتمع الكوفة [2] .
[1] حياة الشعر في الكوفة ص 120 عن العقيدة والشريعة في الإسلام ص 130 . [2] حياة الشعر في الكوفة ص 198 و 199 .