لكن مشكلة الأمة ليست في شدة احترام الشيعة وإطاعتهم وتقديسهم لعلمائهم وأئمتهم ، بل هي في الواقع ابتعادنا جميعاً عن النظرة الإسلامية إلى الإنسان والتعامل بها معه . نلاحظ في القرآن الكريم ثلاثة مذاهب في مسألة قيمة الانسان : المذاهب البدوي الذي تذكره آيات الأعراب والمنادين من وراء الحجرات . . والمذهب المادي الذي تذكره آيات أعداء الأنبياء عليهم السلام وأصحاب الحضارات المادية . والمذهب الإسلامي ، الذي تذكره آيات تكريم الإنسان والتوجيه إلى عالمه العقلي والروحي والعملي . وأحسبنا في عالمنا الإسلامي نعيش تأثيرات كثيرة للبداوة وللمادية الغربية في نظرتنا إلى الأنبياء والأئمة عليهم السلام والأولياء والشهداء والمؤمنين ، وإلى جمهورنا وشعوبنا الإسلامية . بل إلى أنفسنا أيضاً ! لقد أوجد الإنحطاط الحضاري والتسلط الغربي في مجتمعاتنا ظروفاً قاسية سياسية واقتصادية واجتماعية ، لم تعد معها حياة الانسان المسلم في أصلها محترمة ، فكيف نطمح إلى احترام أبعاد وجوده الأخرى وتقديسها ؟ ! كما حول أذهاننا إلى أذهان بدوية تنزع دائماً إلى ( السطحية ) وتعادي العمق والجمع والتركيب ، فترانا نريد الشئ ببعد واحد ، ونرفض أن تكون له أبعاد متعددة في آن . ونريد في قلوبنا لوناً واحداً من العاطفة ، ولا نسمح لها أن تحمل ألواناً متعددة في آن . وبهذا صرنا نرى في الأولياء والأئمة والأنبياء صلوات الله عليهم ، ظاهر أمرهم وحالهم ، ولا نرى قممهم الشامخة ، وعوالمهم العقلية والروحية العالية . فإذا رأى أحد شيئاً من ذلك نقول عنه مغال ، وإذا جاش بذلك عقله أو قلبه نقول مجنون أو منحرف ! ويبلغ الأمر أقصى خطورته عندما نلبسه ثوباً دينياً فنقاوم تقديس الأولياء والأئمة والأنبياء عليهم السلام بحجة أنه يتنافى مع تقديس الله تعالى وتوحيده ! !