ديوان أبي طالب « عليه الاسلام » : وإذ قد ذكرنا هذه اللمحة الخاطفة عن الشعر ، ولا سيما العربي منه ، فقد حان الوقت لنلقي نظرة على ديوان أبي طالب رحمه الله ، الذي تجمعت فيه طائفة من شعر هذا الرجل المجاهد والصابر ، لنجد : أن شعره رحمه الله ، كما أنه قد جاء أقوى وأقطع من السيف ، فإنه أيضاً قد جاء أصفى وأرق من النسيم ، وأروع وأعذب من الحياة في جنات النعيم . وكما هو شعر العقل والحكمة ، والوجدان والضمير ، فإنه أيضاً شعر العاطفة ، والمشاعر الصادقة ، ثم هو شعر النضال والجهاد ، وشعر الكرامة والشهامة ، سواء في ذلك جاهليّه وإسلاميّه . وإنك لتلمس فيه بعمق كل خلوص وصفاء ، وكل نبل وطهر ، بكل ما لهذه الكلمات من عمق في المدلول ، ومن أفق رحب في المدى الأرحب . وعدا ذلك كله ، فإنه كان شعر الموقف في إطار المناسبة ، كما كان شعر المناسبة في نطاق ترسيخ الموقف ، حيث كان الصخرة الصلبة ، التي تحطمت عليها أطماع وأهواء الطواغيت والجبارين ، كبروا ، أو صغروا ، ما دام أن كثيراً من هؤلاء الصغار يحملون في داخلهم روح العنجهية والطغيان ، وجنون العظمة والجبروت . وقد أعز الله بشعر أبي طالب عليه السلام دينه ، وحمى به وليه ، وأذل به الكفر والنفاق ، وكبت به الكافرين والمنافقين . لأنه في نفس الوقت الذي كان فيه شعر التحمل والصبر في مواجهة كافة الضغوط الخانقة ، فقد كان شعر الصمود والتصدي لكل التحديات ،