تنفروا ، وأسمعتكم فلم تجيبوا ، ونصحت لكم فلم تقبلوا ، شهود كالغيّب ! أتلو عليكم الحكمة فتعرضون عنها ، وأعظكم بالموعظة البالغة فتنفرون منها ، كأنّكم حمرٌ مستنفرة فرّت من قسورة ، وأحثّكم على جهاد أهل الجور فما أتي على آخر قولي حتّى أراكم متفرّقين أيادي سبأ ، ترجعون إلى مجالسكم تتربّعون حلقاً ، وتضربون الأمثال ، وتناشدون الأشعار ، وتجسسون الأخبار حتّى إذا تفرّقتم تسألون عن الأشعار ، جهلة من غير علم ، وغفلة من غير ورع ، وتثبّطاً من غير خوف ، نسيتم الحرب والاستعداد لها فأصبحت قلوبكم فارغة من ذكرها ، شغلتموها بالأعاليل والأباطيل ، فالعجب كلّ العجب وما لي لا أعجب من اجتماع قوم على باطلهم وتخاذلكم عن حقّكم . يا أهل الكوفة ، أنتم كأُمّ مجالد حملت ، فاملصت ، فمات قيمها ، فطال تأيّمها ، وورثها أبعدها ، والذي فلق الحبّة وبرأ النسمة ، أنّ من ورائكم الأعور ، الأدبر ، جهنّم الدنيا لا تبقي ولا تذر ، ومن بعده النهاس ، الفرّاس ، الجموع ، المنوع ، ثمّ ليتوارثنّكم من بني أُميّة عدّة ما الآخر بأرءف بكم من الأوّل ما خلا رجلاً واحداً بلاء قضاه الله على هذه الأُمّة لا محالة كائن ، يقتلون خياركم ، ويستعبدون أرذالكم ، ويستخرجون كنوزكم وذخائركم من جوف حجالكم ، نقمة بما ضيّعتم من أُموركم وصلاح أنفسكم ودينكم . يا أهل الكوفة ، أُخبركم بما يكون قبل أن يكون لتكونوا منه على حذر ولتنذروا به من اتّعظ واعتبر كأنّي بكم تقولون : إنّ عليّاً يكذب ، كما قالت قريش لنبيّها ( صلى الله عليه وآله ) وسيّدها نبي الرحمة محمّد بن عبد الله ( صلى الله عليه وآله ) حبيب الله ، فيا ويلكم أفعلى مَنْ أكذب ؟ أعلى الله ؟ فأنا أوّل من عَبَدهُ ووحّدهُ ، أم على رسوله ( صلى الله عليه وآله ) ؟ فأنا أوّل من آمن به وصدّقه ونصره ، كلاّ والله ولكنّها لهجة ، خدعة ، كنتم عنها أغنياء ، والذي فلق الحبّة وبرأ النسمة لتعلمن نبأها بعد حين وذلك ، إذا صيّركم إليها جهلكم ولا