الستور ، ولا يدّخر عنّا البدور ، ولا يستلين الاتّكاء ، ولا يستخشن الجفاء ، ولو رأيته إذ مثل في محرابه ، وقد أرخى اللّيل سُدوله ، وغارت نجومه ، وهو قابضٌ على لحيته ، يتململ تملمُل السليم ، ويبكي بكاء الحزين ، وهو يقول : يا دنيا ، إليَّ تعرّضتِ ، أم إليَّ تشوّقت ، هيهات هيهات لا حاجة لي فيك ، أبنتك ثلاثاً لا رجعة لي عليك . ثمّ يقول : واه واه لبُعد السفر ، وقلّة الزاد ، وخشونة الطريق . قال : فبكى معاوية ، وقال : حَسْبُك يا ضرار ، كذلك كان والله عليّ ، رحِمَ الله أبا الحسن ( 1 ) . [ 308 ] - 22 - ابن فهد : دخل ضرار بن ضمرة على معاوية فقال له : صِف لي عليّاً ، فقال له : وتعفيني من ذلك ، فقال : لا أعفيك ، فقال : كان والله بعيد المدى ، شديد القوى ، يقول فصلاً ، ويحكم عدلاً ، يتفجّر العلم من جوانبه ، وتنطق الحكمة من نواحيه ، يستوحش من الدنيا وزهرتها ، ويستأنس باللّيل ووحشته ، وكان والله غزير العبرة ، طويل الفكرة ، يقلّب كفّيه ويخاطب نفسه ، ويناجي ربّه ، يعجبه من اللباس ما خشن ، ومن الطعام ما جشب ، كان والله فينا كأحدنا يدنينا إذا أتيناه ، ويجيبنا إذا سألناه ، وكنّا مع دنوّه منّا وقربنا منه لا نكلِّمه لهيبته ، ولا نرفع أعيننا إليه لعظمته ، فإن تبسّم فعن مثل اللؤلؤ المنظوم ، يعظم أهل الدين ، ويحبّ المساكين ، لا يطمع القوي في باطله ، ولا ييأس الضعيف من عدله ، وأشهد بالله لقد رأيته في بعض مواقفه وقد أرخى الليل سدوله ، وغارت نجومه وهو قائم في محرابه ، قابض على لحيته ، يتململ تململ السليم ، ويبكي بكاء الحزين فكأنّي الآن أسمعه وهو يقول : يا دنيا ، يا دنيا ، أبي تعرّضتِ ، أم إليَّ تشوّقت ، هيهات ، هيهات ، [ لا حان حينك ] غرّي