فهي مخلوقة لله عز وجل حقيقة ، وهي صادرة عن إرادة العبيد حقيقة أيضاً ، وبذلك صحّحوا الثواب والعقاب ، وذهبوا إلى الحلّ الوسط الذي أخذوه من أقوال أئمتهم ( عليهم السلام ) : " لا جبر ولا تفويض ، وإنما هو أمر بين أمرين " [1] . وبهذا سلموا من مخالفة الوجدان في نفي الإرادة وسلبها عنهم ، كما هو مفاد مذهب القائلين بالجبر . كما سلموا من شبهة المفوضة في عزل الله عن خلقه وتفويض الخلق لعبيده ، كما هو مذهب المفوضة . وبناء على هذه النظرية ، يكون مفاد الآية : أنّ الله عز وجل لمّا علم أنّ إرادتهم تجري دائماً على وفق ما شرعه لهم من أحكام ، بحكم ما زوّدوا به من إمكانات ذاتية ومواهب مكتسبة نتيجة تربيتهم على وفق مبادئ الإسلام تربية حوّلتهم في سلوكهم إلى إسلام متجسّد ، ثم بحكم ما كانت لديهم من القدرات على إعمال إرادتهم وفق أحكامه التي استوعبوها علماً وخبرة ، فقد صح له الإخبار عن ذاته المقدسة بأنه لا يريد لهم بإرادته التكوينية إلاّ إذهاب الرجس عنهم ، لأنه لا يفيض الوجود إلاّ على هذا النوع من أفعالهم ما داموا هم لا يريدون لأنفسهم إلاّ إذهاب الرجس والتطهير عنهم . وبهذا يتضح معنى الاصطفاء والاختيار من قبله لبعض عبيده في