نام کتاب : سبل الهدى والرشاد نویسنده : الصالحي الشامي جلد : 1 صفحه : 250
الأنبياء السابقين . فإن آخر الأنبياء قبل بعثة نبينا صلى الله عليه وسلم : عيسى صلى الله عليه وسلم . وكانت الفترة بينه وبين بعثة نبينا صلى الله عليه وسلم نحو ستمائة سنة ، ثم إنهما كانا في زمن جاهلية . وقد طبق الجهل الأرض شرقا وغربا وفقد من يعرف الشرائع ويبلغ الدعوة على وجهها إلا نفرا يسيرا من أحبار أهل الكتاب مفرقين في أقطار الأرض كالشام وغيرها . ولم يعهد لهما تقلب في الأسفار سوى إلى المدينة ولا عمرا عمرا طويلا بحيث يقع لهما فيه التنقيب ، فإن والده صلى الله عليه وسلم صحح الحافظ العلائي أنه عاش من العمر نحو ثماني عشرة سنة . ووالدته صلى الله عليه وسلم ماتت وهي في حدود العشرين تقريبا . ومثل هذا العمر لا يسع الفحص عن المطلوب في مثل ذلك الزمان لا سيما وهي امرأة مضنونة محجبة في البيت عن الاجتماع بالرجال ، والغالب على النساء أنهن لا يعرفن ما الرجال فيه من أمر الديانات والشرائع ، خصوصا في زمان الجاهلية الذي رجاله لا يعرفون ذلك فضلا عن نسائه . ولهذا لما بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم تعجب من بعثته أهل مكة وقالوا : " أبعث الله بشرا رسولا " وقالوا : " لو شاء الله لأنزل ملائكة ما سمعنا بهذا في آبائنا الأولين " . فلو كان عندهم علم من بعثة الرسل ما أنكروا ذلك وربما كانوا يظنون أن إبراهيم بعث بما هم عليه ، فإنهم لم يجدوا من يبلغهم شريعة إبراهيم على وجهها لدثورها وفقد من يعرفها ، إذ كان بينهم وبين زمن إبراهيم أزيد من ثلاثة آلاف سنة ، وحكم من لم تبلغه الدعوة أنه يموت ناجيا بشرطه الآتي في الأحاديث الآتية ، وأنه لا يعذب ابتداء قبل الامتحان كما سيأتي بيان ذلك . هذا مذهبنا لا خلاف فيه بين أئمتنا الشافعية في الفقه والأشاعرة في الأصول . وقد نص على ذلك إمامنا الشافعي رضي الله تعالى عنه في الأم والمختصر ، وتبعه جميع الأصحاب فلم يشذ أحد منهم بخلاف ، واستدلوا على ذلك بعدة آيات منها قوله تعالى : ( وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا ) روى ابن جرير وابن أبي حاتم في تفسيريهما عن قتادة في الآية قال : " إن الله ليس بمعذب أحدا حتى يسبق إليه من الله خبر أو تأتيه من الله بينة " . ومنها قوله تعالى : ( ذلك أن لم يكن ربك مهلك القرى بظلم وأهلها غافلون ) ومنها قوله تعالى : ( ولولا أن تصيبهم مصيبة بما قدمت أيديهم فيقولوا : ربنا لولا أرسلت إلينا رسولا فنتبع آياتك ونكون من المؤمنين ) أوردهما الزركشي في شرح جمع الجوامع استدلالا على قاعدة أن شكر المنعم ليس بواجب عقلا بل بالسمع ، وهذه القاعدة أي قاعدة شكر المنعم مرجعها إلى قاعدة كلامية وهي قاعدة التحسين والتقبيح العقليين ، وإنكارهما متفق عليه بين الأشاعرة كما هو معروف في كتب الكلام والأصول . وقد أطنب الأئمة في تقريرها . وترجع مسألة من لم تبلغه الدعوة إلى قاعدة ثانية أصولية وهي : أن الغافل لا يكلف وهذا هو الصواب في الأصول للآية الثانية .
250
نام کتاب : سبل الهدى والرشاد نویسنده : الصالحي الشامي جلد : 1 صفحه : 250