ولم تمض الأيام حتى استبان للجميع عمق ما ذهب إليه الامام ، وزيف ما عرضه المأمون على الامام ، وانه انما عمد لذلك للعبة سياسية فلما انتهت قام باغتيال الامام ، لأنه لا يمكنه عزله ، وسنوضح جميع هذه البحوث في غضون هذا الكتاب . ( 5 ) ومن بين بحوث هذا الكتاب التدليل على مدى الثروات العلمية الهائلة التي يملكها الإمام الرضا ( عليه السلام ) ، فقد شملت جميع ألوان العلوم والمعارف من الفلسفة ، وعلم الكلام ، والطب ، والفقه ، وغيرها ، وقد دلت على ذلك بصورة موضوعية ، وواضحة ، مناظراته مع كبار الفلاسفة والعلماء الذين جلبهم المأمون من مختلف أقطار الدنيا وأمصارها إلى خراسان لامتحان الامام ، وقد عقد مع كل وفد منهم اجتماعا خاصا وسريا ، ووعدهم بالثراء العريض إن أفحموا الامام ، وأعجزوه عن اجابتهم ليتخذ من ذلك وسيلة للطعن والتشهير بما تذهب إليه الشيعة من أن أئمة أهل البيت ( عليهم السلام ) أعلم الأمة وان الله آتاهم من العلم والفضل كما آتي أنبياءهم ، وأوصياءهم . واستجاب العلماء لدعوة المأمون فسألوا الامام عن أعقد المسائل ، وأكثرها غموضا ويقول المؤرخون : انهم سألوه عن أكثر من عشرين الف مسألة في أبواب متفرقة فأجابهم عنها جواب العالم الخبير المتخصص ، فبهر العلماء من سعة علومه ، ودان الكثيرون منهم بإمامته ، مما اضطر المأمون إلى حجب الامام عن العلماء وغيرهم ، وفرض الرقابة الشديدة عليه لئلا يفتتن الناس به . ومن الجدير بالذكر ان تلك المناظرات قد دونها بعض تلامذة الإمام ( ع ) إلا انا لم نعثر عليها ، ولعلها من جملة المخطوطات التي خسرها العالم العربي والاسلامي . وعلى أي حال فقد نقل مؤرخو الشيعة طائفة يسيرة من تلك المناظرات وهي ذات أثر مهم للغاية ، فإنها علي قلتها تكشف عن مدى ثروات الامام العلمية ، وتدلل على أنه من عمالقة الفكر والعلم في دنيا الاسلام . ( 6 ) وأثرت عن الإمام الرضا ( عليه السلام ) كوكبة من الكتب نص عليها المعنيون بتدوين أسماء الكتب كابن النديم ، والطوسي وغيرهما ، كما نص عليها المترجمون للامام وهي :