وعجبت من بذلك العهد ، وولايته لي بعدك ، كأنك تظن أنه لم يبلغني ما فعلته بالرضا ! ففي أي شئ ظننت أني أرغب من ذلك ؟ ! . أفي الملك الذي قد غرتك نضرته وحلاوته ؟ ! . فوالله ، لأن أقذف - وأنا حي - في نار تتأجج أحب إلي من أن ألي أمرا بين المسلمين ، أو أشرب شربة من غير حلها ، مع عطش شديد قاتل . . أم في العنب المسموم ، الذي قتلت به الرضا ؟ ! . أم ظننت أن الاستتار قد أملني ، وضاق به صدري ؟ ! . فوالله ، إني لذلك ، ولقد مللت الحياة ، وأبغضت الدنيا ، ولو وسعني في ديني أن أضع يدي في يدك ، حتى تبلغ من قبلي مرادك . لفعلت ذلك ، ولكن الله قد حظر علي المخاطرة بدمي . وليتك قدرت علي ، من غير أن أبذل نفسي لك . فتقتلني ، ولقيت الله عز وجل بدمي ، ولقيته قتيلا مظلوما ، فاسترحت من هذه الدنيا . واعلم : أني رجل طالب النجاة لنفسي ، واجتهدت فيما يرضي الله عز وجل عني ، وفي عمل أتقرب به إليه ، فلم أجد رأيا يهدي إلى شئ من ذلك . فرجعت إلى القرآن . الذي فيه الهدى والشفاء ، فتصفحته سورة سورة ، وآية آية ، فلم أجد شيئا أزلف للمرء عند ربه ، من الشهادة في طلب مرضاته . ثم تتبعته ثانية ، أتأمل الجهاد أيه أفضل ، ولأي صنف ، فوجدته جل وعلا يقول : " قاتلوا الذين يلونكم من الكفار ، وليجدوا فيكم غلظة " فطلبت أي الكفار أضر على الإسلام . وأقرب من موضعي ، فلم أجد أضر على الإسلام منك ، لأن الكفار أظهروا كفرهم ، فاستبصر الناس في أمرهم ، وعرفوهم فخافوهم . وأنت ختلت المسلمين بالإسلام ، وأسررت الكفر ، فقتلت بالظنة ، وعاقبت بالتهمة ، وأخذت مال الله من غير حله ، فأنفقته في غير حله ، وشربت الخمر المحرمة صراحا ،