فوصل أرحاما قطعت ، وأمن أنفسا فزعت ، بل أحياها وقد تلفت ، وأغناها إذ افتقرت ، مبتغيا رضا رب العالمين ، لا يريد جزاء من غيره ، وسيجزي الله الشاكرين ، ولا يضيع أجر المحسنين . . وإنه جعل إلي عهده ، والإمرة الكبرى - إن بقيت - بعده ، فمن حل عقدة أمر الله بشدها ، وفصم عروة أحب الله إيثاقها ، فقد أباح الله حريمه ، وأحل محرمه ، إذ كان بذلك زاريا على الإمام ، منتهكا حرمة الإسلام . بذلك جرى السالف ، فصبر منه على الفلتات ، ولم يعترض على العزمات ، خوفا من شتات الدين ، واضطراب حبل المسلمين ، ولقرب أمر الجاهلية ، ورصد فرصة تنتهز ، وبايقة تبتدر . . وقد جعلت الله على نفسي ، إن استرعاني أمر المسلمين ، وقلدني خلافته : العمل فيهم عامة ، وفي بني العباس بن عبد المطلب خاصة بطاعته ، وطاعة رسوله صلى الله عليه وآله وأن لا أسفك دما حراما ، ولا أبيح فرجا . ولا مالا ، إلا ما سفكته حدود الله ، وأباحته فرائضه . وأن أتخير الكفاة جهدي وطاقتي ، وجعلت بذلك على نفسي عهده مؤكدا ، يسألني الله عنه ، فإنه عز وجل يقول : " وأوفوا بالعهد ، إن العهد كان مسؤولا " . وإن أحدثت ، أو غيرت ، أو بدلت ، كنت للغير مستحقا ، وللنكال متعرضا . وأعوذ بالله من سخطه . وإليه أرغب في التوفيق لطاعته ، والحول بيني وبين معصيته ، في عافية لي وللمسلمين . والجامعة والجفر يدلان على ضد ذلك ، وما أدري ما يفعل بي ولا بكم . إن الحكم إلا لله ، يقضي بالحق [1] ، وهو خير الفاصلين . .
[1] الظاهر أن الصواب هو " يقص الحق " كما في معالم الإنافة