ويكرهون ، ويخاف ويخافون . . رجع إلى بغداد ، فأطاعته ، وانقادت له ، لأنه قضى على من كانت تخافهم ، وتخشاهم ، وحقق لها ما كانت ترجوه ، وتصبو إليه ، وغفرت له قتله أخاه ، ونسيته حتى كأنه أمر لم يكن ! . . بل لقد أصبحت ترى أنه أفضل من أخيه الأمين ، لأنه استطاع أن يثبت أقدام بني أبيه في الحكم والسلطان إلى ما شاء الله . . رجع إلى بغداد ، إلى بني أبيه ، لأن رجوعه إليهم كان ضروريا ، من أجل أن يرجع إليهم اعتبارهم من جهة . . ولأنهم هم الدرع الواقي له ، والحصن الحصين من جهة أخرى . . هذا بالإضافة إلى أن خلافة لا تكون بغداد مقرا لها ليست في الحقيقة بخلافة . إلى غير ذلك من أمور واعتبارات . نبوءة الإمام ( ع ) قد تحققت : هذا . . وكما تنبأ الإمام ( ع ) من قبل بأن أمر البيعة لا يتم ، وتنبأ أيضا بأنه يموت ويدفن بخراسان . . لم يكن ليصعب عليه أن يتنبأ بأن المأمون سوف يقدم في النهاية على ما أقدم عليه : من الاعتداء على حياته ( ع ) سيما وأنه كان على علم أكثر من أي إنسان آخر بحقيقة نوايا المأمون وأهدافه . . وبالفعل نرى الإمام ( ع ) يصرح بذلك في أكثر من مورد ، وأكثر من مناسبة ، حتى للمأمون نفسه ، كما تقدم . . ومن جهة أخرى ، فرغم محاولات المأمون للتستر على جريمته النكراء تلك خوفا من ثورة الرأي العام ضده . . فإنه لم يستطع إخفاء الحقيقة ، وطمس الواقع بل شاع الأمر ، وافتضح المأمون . . بل سيمر معنا أنه هو نفسه قد فضح نفسه . .