نعم . إنه يريد أن يذهب الإمام إلى بغداد ، ولكنه يريد في نفس الوقت أن يذهب راضيا وغافلا عما يهدف إليه المأمون من وراء ذهابه هذا . . وإلا فإن ذهابه لن يجديه نفعا ، لأنه قد جرب معه الاكراه والإجبار من قبل ، في قضية ولاية العهد ، ورأى أن الإمام قد اتخذ ذلك وسيلة من الوسائل المضادة ، من أجل تضييع الفرصة على المأمون . كما أن بذله للخلافة لم يكن مجازفة بها ، لأنه كان مطمئنا إلى أن ما يبذله اليوم سوف يعود إليه غدا . . وبالشكل الأفضل والأكمل ، لو أن الإمام ( ع ) قبل منه ما كان عرضه عليه . نعم . . إنه يريد أن يرسله إلى العراق - بغداد - وطلب منه أن يذهب وحده ، ويبقى هو خليفة له في خراسان ، ليواجه المحنة ، التي لن يكون له القدرة على تحملها ، والصمود في وجهها . . ويتخلص المأمون منه بذلك من أهون سبيل . المأمون يتحرك نحو بغداد بنفسه : لكن رفض الإمام القاطع جعله يفكر في الأمر بنحو آخر ، فلقد تحرك هو بنفسه نحو بغداد ، مصطحبا معه وزيره الفضل بن سهل وولي عهده الإمام الرضا ( ع ) ، الذي كان هو الشجا المعترض في حلق المأمون . ولقد كان من الممكن : أن يحتفظ بهما حتى يدخلوا بغداد ، فتقوم قائمة بني العباس ، ويثورون ، ويعصفون ، وتعم الفوضى ، ويختل النظام . . وقد يتخلص المأمون حينئذ من الإمام ( ع ) على يد من يرتفع به حقده ، ويخرجه غضبه عن طوره . وإن لم يكن ذلك ، وجبنوا على الإقدام عليه . . وبعد أن يكون الناس قد رأوا أن وجود الإمام - وليس قتل الأمين - هو المانع والعائق