الإمام يرفض كل مشاركة تعرض عليه : إنه برغم شروط الإمام على المأمون ، والتي أشرنا إليها فيما سبق ، فإننا نرى المأمون كل مدة يحاول أن يجري اختبارا للإمام ، ليعرف حقيقة نواياه ، وأنه هل أصبح له طمع بالخلافة ، وطموح لها [1] ، ليعجل عليه بما يحسم عنه مواد بلائه . . أم لا . فكان يأتي كل مدة إليه ، يطلب منه أن يولي فلانا ، أو أن يعزل فلانا ، أو أن يصلي بالناس . . بل لقد طلب منه بعد مقتل الفضل أن يساعده في إدارة شؤون الخلافة [2] بحجة أنه يعجز وحده أن يقوم بأعباء الحكم . ويدير دفة السلطان ! هذا . إن لم نقل : أنه كان يريد من وراء ذلك : أن يجعل ذلك ذريعة للقضاء على الإمام ، بحجة أنه نقض الشرط ، وليكون بذلك قد قضى على العلويين جميعا ، وإلى الأبد . أو على الأقل كان يريد بذلك : أن يوجد للإمام أعداء في الأوساط ذات القوة والنفوذ . . وأيا ما كانت نوايا المأمون وأهدافه ، فإن الإمام ( ع ) كان يرفض ذلك كله بكل عزم وإصرار ، ويذكره بالشروط تلك ، ويقول له : " إن وفيت لي وفيت لك . " . وهذا تهديد صريح له من الإمام ( ع ) . ولا نعجب كثيرا - بعد أن اتضحت لنا نوايا المأمون وأهدافه - إذا رأينا المأمون يتحمل هذا التهديد ، بل ويخضع له ، ويقول : " بل أفي لك " ! .
[1] وما أشبه الليلة بالبارحة ، فقد رأينا الخليفة الثاني عمر بن الخطاب ، يسأل ابن عباس عن علي عليه السلام : إن كان لا يزال يطمح إلى الخلافة ، ويأمل فيها . . أم لا ! . [2] الكافي ج 8 ص 151 ، وكشف الغمة ج 3 ص 68 و 87 ، وعيون أخبار الرضا ج 2 ص 164 و 166 و 167 والبحار ج 49 ص 144 و 155 و 171 ، وغير ذلك .