به المأمون ، كانت مفتعلة قبل أوان نضجها ، ولعله لما أشرنا إليه من أنه لم يكن قد حسب حسابا لهذه الأسئلة التي واجهته ، فكانت أجوبته متناقضة ، متضادة ، من موقف لآخر ، ومن وقت لآخر . . حتى إن التناقض يبدو في التبرير الواحد ، إذ تراه مرة يقول : " إنه نذر أن يجعل الخلافة في ولد علي " . وأخرى يقول : " إنه نذر أن يجعل ولاية العهد فيهم " . وثالثة : يضيف إليهم آل العباس . وهكذا . ولولا خوف الناس منه ، ومن بطشه لوجدنا الكثيرين يسألونه : إنه إذا صح : أنه نذر الخلافة لولد علي ، فلماذا قبل منه واكتفى بولاية العهد ؟ ! ، إذ قد كان عليه أن يجبره على قبول الخلافة ، كما أجبره على قبول ولاية العهد . . وإذا صح أنه نذر له ولاية العهد ، فلماذا عرض عليه الخلافة ، وأصر عليه بقبولها . وإننا وإن لم نجد لهذه الأسئلة ، وسواها أثرا فيما بأيدينا من كتب التاريخ . إلا أننا رأينا الشواهد الكثيرة الدالة على أن الناس كانوا يشكون كثيرا في نوايا المأمون وأهدافه مما أقدم عليه . وحسبنا هنا : ما رواه لنا الصولي ، والقفطي ، وغيرهما من قضية عبد الله بن أبي سهل النوبختي المنجم ، حيث أراد اختبار ما في نفس المأمون ، فأخبره أن وقت البيعة للإمام ( ع ) كان غير صالح ، فأصر المأمون على إيقاع البيعة في ذلك الوقت ، وتهدده بالقتل إن حدث تغيير في الوقت والموعد ، وقد تقدمت القصة بكاملها تقريبا في فصل سابق ، وقد ذهب إلى ذكره غير واحد من المؤلفين [1] .
[1] تاريخ الحكماء 222 ، 223 ، وفرج المهموم في تاريخ علماء النجوم ص 142 ، وأعيان الشيعة ج 4 قسم 2 ص 114 . والبحار ج 49 ، ص 132 ، 133 ، وعيون أخبار الرضا ج 2 ص 147 ، 148 ، وغير ذلك . .