أما ما ذكر أولا : فقد كفانا هو نفسه مؤونة الكلام فيه ، حيث قد اعترف بأن المأمون لو كان يرمي إليه لكان في منتهى السطحية والسذاجة . وأما ما جعله سببا ثانيا : فلعله لا يقل عن سابقه في الضعف والوهن ، سيما بملاحظة ما قدمناه في الفصلين السابقين ، من الظروف التي كان المأمون يعاني منها ، وأيضا ملاحظة ما سيأتي من سلوك المأمون المشبوه ، مع الإمام ( ع ) ، ومعالمته السيئة للعلويين ، وكل من يتشيع معهم ، ويتعاطف معهم . وعلى الأخص إذا لاحظنا : أن المأمون لم تكن عقيدته هي المنطلق له في موافقه السياسية ، بل كان ينطلق مما يراه يخدم مصالحه الخاصة ، ويؤكد وجوده في الحكم . وقد قدمنا أنه كان تارة يتحرج من تنقص الحجاج بن يوسف ، وتارة يصف الصحابة ، ما عدا الإمام علي ( ع ) ب " الملحدين " ، ويصف الخليفة الثاني عمر بن الخطاب ب " جعل " إلى آخر ما هنالك من الشواهد والأدلة ، مما لا نرى ضرورة لإعادته ، ولعل الأهم من ذلك كله : أن تفضيل المعتزلة - معتزلة بغداد - عليا ( ع ) على جميع الصحابة ، لم يكن واضحا بعد في تلك الفترة ، وإنما بدأه بشر بن المعتمر حسبما سيأتي بيانه في فصل خطة الإمام . وعليه فهذا الوجه لا يستقيم ، على جميع الوجوه والتقادير . وأما ما جعله سببا ثالثا ، فسيأتي الكلام عليه بنوع من التفصيل . . ولكننا نستغرب منه جدا ، بل ونأسف كل الأسف ، لما طلع به علينا ، بما جعله سببا رابعا : من أن عدم تولي الأئمة للحكم يكسبهم شيئا من التقديس ، فأراد أن يولي الإمام الرضا العهد ، ليزول عنهم ذلك التقديس - وقد أشرنا سابقا إلى أنه استوحى هذه الفكرة من ابن القفطي في تاريخ الحكماء .